ربما كان حج هذا العام من أكثر المواسم صداقة للبيئة، خاصة بعد انطلاقة قطار المشاعر، والتشديد في منع السيارات التي تحمل أقل من (25) راكباً من الدخول. ولكن ما زال هناك الكثير مما يمكن القيام به، للتخفيف من الآثار البيئية الناجمة عن تجمع نحو ثلاثة ملايين من البشر في بقعة جغرافية صغيرة، وخاصة تخفيف الانبعاثات الضارة من السيارات التي تقل الحجيج وتبدو معظم الوقت شبه واقفة تنفث سمومها بين الحجاج.

وأذكر حينما أدّيتُ فريضة الحج منذ فترة، أنني قررتُ وشقيقي أن نؤديها مشياً على الأقدام، لتفادي التعامل مع التلوث وزحام السيارات، والتفرغ للدعاء والعبادة بدلاً من الانشغال بحركة المرور وترتيبات التنقل. وبالفعل كان الأمر أيسر مما كنتُ أتوقع، خاصة أننا كنا قد اتفقنا مسبقاً مع إحدى الحملات لتوفير السكن والوجبات في منى.

ومع أن الحج على الأقدام لم يكن صعباً من الناحية الجسدية، إلا أننا فكرنا في الكثير مما يمكن عمله لجعله أكثر يسراً على كبار السن، وأكثر حماية للبيئة، مثل توفير الماء وأماكن الراحة والحمامات على جوانب مسارات المشي، فضلاً عن الخرائط واللوحات الإرشادية وأماكن التخلص من النفايات.

ومع أننا حججنا مشياً، لم يكن من الممكن تفادي السيارات وما ينبعث منها من ملوثات كانت تغطي سماء المشاعر في بعض المناطق المزدحمة.

ولهذا فإن قطار المشاعر هذا العام وقصر الدخول على السيارات الكبيرة خطوتان في الاتجاه السليم للتخفيف من الازدحام والتلوث. والخطوات القادمة أرجو أن تكون في زيادة طاقة القطار، واشتراط حصول السيارات المسموح بدخولها للمشاعرعلى شهادات فحص بيئي دقيق.

وأكتب اليوم كذلك عن جهد جميل قام به شابان من جنوب أفريقيا للوصول إلى الديار المقدسة وأداء الفريضة على متن دراجتيهما الهوائيتين. وهذه الخطوة في منتهى الجمال، لأنها تبين عزم وتصميم الشابين على القيام بهذه المهمة الشاقة، وتشجع على رياضة هي من أفضل الرياضات على الإطلاق وأكثرها صداقة للبيئة، ولعلها تحث القادرين على البدء بهذه الرياضة سواء لأداء الحج والزيارة أو غيرهما. وهو ما يتطلب البدء كذلك بتوفير بنية تحتية متكاملة لخدمة ركاب الدراجات الهوائية، لتشجيع استخدامها للتخفيف من الزحام والتلوث، فضلاً عن آثارها الإيجابية لممارسيها، سواء من الناحية الصحية والثقافية والاجتماعية.

فقد بدأ نظيم كيرنكروس (28 عاماً) وامتياز أحمد هارون (25 عاماً) رحلتهما من جنوب أفريقيا في شهر فبراير 2010م، واستغرقت الرحلة تسعة أشهر، قطعا خلالها (11000) كيلومتر، عبر تسع دول. واستغرق التفكير والتخطيط لهذه الرحلة نحو ثلاثة أعوام، واستنفدت ما وفراه من أموال، وباعا ما لديهما من ممتلكات، فضلاً عما قدمته أسرتاهما من مساعدة مالية لتمكينهما من القيام بهذه الرحلة.

ويعمل نظيم في تخطيط المدن، في حين يدرس امتياز الشريعة، وكلاهما من ضاحية Grassy Park من ضواحي مدينة كيبتاون، إحدى المناطق التي تتميز بنشاط ثقافي واجتماعي كبير لمسلمي جنوب أفريقيا.

وبعد قضائهما فريضة الحج هذا العام، لم يفلّ من عزم نظيم وامتياز ما لقياه من عناء، إذ يفكران في القيام بالعمل نفسه مرة أخرى، بصحبة فريق إعلامي هذه المرة، وهما يعملان على توفير الدعم لهذا الجهد من قبل إحدى المؤسسات الإعلامية، ويأملان هذه المرة ألا يواجها صعوبة في الحصول على تأشيرات الدخول للدول التي يمران بها، كما حدث لهما هذا العام، حين رفضت دولتان على الأقل السماح لهما بالمرور من أراضيها، مما اضطرهما إلى تغير مسارهما.

وعلى الرغم من تلك الصعوبات، اكتشف الشابان أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، بطريقة لا تتوفر للمسافر بالطائرة أو السيارة، وأدهشهما التعاطف الكبير والكرم اللذان قابلهما به مواطنو الدول التي مرا بها.

ومن المدهش في الأمر، أن هذين الشابين لم يكونا من ركاب الدراجات المحترفين أو المتمكنين من هذه الرياضة، بل تعلما ذلك خلال التحضير لهذه الرحلة، وواجها خلال الرحلة الكثير من الصعوبات سواء منها ما يتعلق بالصيانة المستمرة التي تتطبلها الدراجة في مثل هذه الرحلات الطويلة، أو ما يتعلق بالطبيعة الجبلية الصعبة لكثير من المناطق التي مرا بها.

وبلاشك، لو كانا مخضرمين في هذه الرياضة، لربما استطاعا قطع المسافة خلال أقل من نصف المدة التي استغرقتها، ولكن الهدف لم يكن الرياضة في حد ذاتها، بل الحج في نهاية المطاف، والتعرف على الدول الإسلامية في طريقهما إلى الديار المقدسة.

وإذا كانا قد استطاعا الحج بركوب الدراجة الهوائية من مكان يبعد (11000) كيلومتر، فمن الأسهل القيام بذلك من مناطق أكثر قرباً، فالمسافة بين الرياض ومكة المكرمة مثلاً تبلغ نحو (900) كيلو متر، وهي مسافة يستطيع راكب الدراجة الهوائية تغطيتها بسهولة خلال أقل من عشرة أيام، دون أن يكون محترفاً أو ذا لياقة عالية.

وقد قام الموقع البيئي المعروف على الإنترنت

www.greenprophet.com بمتابعة رحلة الشابين، وهي جزء من اهتمام هذا الموقع بنشر الوعي البيئي من منظور إسلامي.