يُعد التغير سنة من سنن هذا الكون الذي نعيش فيه، وهذا ما أكدته الآية الكريم: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
كما يُعد التغير ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة بالإجمال، وينسب للفيلسوف اليوناني هيراقليطس Heraclitus قوله: "إن التغير قانون الوجود، وإن الاستقرار موت وعدم".
وظاهرة التغير أوضح ما تكون في مظاهر الحياة الاجتماعية، مما جعل بعض المفكرين يدّعون بأنه ليس هناك مجتمعات، وإنما توجد تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير دائم وتفاعل مستمر، أما الجمود نفسه في أية ناحية من نواحي الحياة الإنسانية فأمر لا يمكن التسليم به أو الموافقة عليه، إذ يكفي أن ننظر إلى المجتمعات الإنسانية المختلفة من فجر نشأتها لنرى مدى التغير الذي أصابها في جميع المجالات خلال فترات تاريخها.
ولنأخذ على سبيل المثال التغير الذي طرأ على المجتمع الأوروبي لإخراجهم من عصر الظلام إلى عصر النور، بالاعتماد على العلم والعلماء، منهم العالم "جاليليو جاليلي"، والتخلي عن السلطة السابقة لرجال الدين في الكنيسة "البابا"، ومنهم رجل الدين "أوغسطين" الذي كان يؤكد على أنه: (لا خلاص خارج الكنيسة).
مما جعل المجتمع الأوروبي يبحث ويستكشف سعيا منه للتطور والتقدم في مجالات علمية وحضارية مقارنة بمجتمعات أخرى لا تزال رهينة لأفكار وعادات خاطئة يتوقع من خلالها بأن الانفتاح الفكري على علوم وحضارات الغرب يعدّ من أسباب الانهزام النفسي والتقليد الأعمى الذي يؤدي بصاحبه إلى الهلاك. إننا حينما نشيد بعلوم وحضارة دولة متقدمة فليس من أجل تمجيدها والافتتان بها، بل من أجل الاستفادة من بعض الأفكار والثقافات الجيدة الأخرى التي لا تتعارض مع الإسلام، ومن ذلك التقدم الصناعي في دولة الصين، والتطور العلمي في دولة فنلندا... الخ. فنحن بحاجة ماسة في وقتنا الحاضر إلى إزالة الشوائب والأفكار والعادات الخاطئة التي تُغلف عقولنا لنصل إلى مرحلة من الاطلاع والوعي الثقافي تمكننا من إنتاج أفكار جديدة بناءة للوطن، فنتزود بالمعارف والمعلومات، ونكتسب المهارات والاتجاهات، مما من شأنه أن يحقق لنا عمارة الأرض على منهج الله تعالى، وهذا ما نسميه "بالانفتاح الفكري".
ومما يؤكد حاجتنا إلى "الانفتاح الفكري" ما نحن فيه من عصر التكنولوجيا وتقنية المعلومات، والتي قد تجعل من الانفتاح الفكري أمرا اضطراريا أكثر منه اختياريا.
فالفتوحات الإسلامية تُعد من الانفتاح الفكري المحمود، لأنها اعتمدت على العلم والمعرفة وعمارة الأرض على منهج الله تعالى. ومن الأدوات المتاحة لدينا لتحقيق الانفتاح الفكري: التعايش مع الآخرين، والتلاقح الثقافي مع الشعوب الأخرى، وتوظيف العقل والحواس، وقراءة الكتب والأبحاث، والاستفادة من التقنية بشكل فعال، وتطوير المناهج الدراسية لتجعل من الطالب إنسانا يبحث ويسأل ويتأمل ويتدبر ويبدع... الخ.
أما الانفتاح الفكري القائم على مفهوم (الحرية في كل شيء) أو (الوصول إلى التشكك ووصف الدين بالانغلاق) فهذا مرفوض، ومن ذلك ما دعا إليه العالم "جون لوك" بالانفتاح الفكري المتعلق بالجانب الديني في قوله: (يمنع في الدين اليقين والقطع الفكري)، وما أشار إليه العالم "كارل بوبر" في الانفتاح الفكري المتعلق بالجانب المجتمعي في قوله: (ينبغي ألا نقبل اليقين وما هو ثابت بل نقبل الشك)، وما أكده العالم "آدم سميث" في الانفتاح الفكري المتعلق بالجانب الاقتصادي عند قوله: (يجب أن يكون هناك حرية في التجارة).
ختاما..
أتفق مع الانفتاح الفكري الذي سيطور من أداء الفرد والمجتمع، وأرفض أي انفتاح فكري يهدف إلى نشر الرذيلة والأفكار الهدامة للفرد والمجتمع.