كنت أعتقد أن مجرد تأكيد تعيين ابن وزير الخدمة المدنية - وهو بهذه المواصفات - على بند استقطاب الكفاءات المتميزة براتب مقداره 21600 ريال هو بحد ذاته مشكلة، ولم أكن أتوقع أن يصدر عن نزاهة أي محاولة لتبرير ذلك، لأنه سيكون معيباً بحقها، لكن تصريح المتحدث الرسمي لنزاهة الأستاذ عبدالرحمن العجلان لقناة الإخبارية قبل أيام كان صادماً، لأنه اعترف بوجود الحالة، ثم حاول إقناعنا – على استحياء – بأن هذا التعيين تم بطريقة نظامية، وأن ابن الوزير انطبقت عليه معايير التعاقد على بند استقطاب الكفاءات المتميزة، والبالغ عددها 17 معياراً، تلك المعايير التي لم تنجح كل محاولات صحيفة "الوطن" في الوصول إليها وعرضها أمام الناس تحقيقاً لأهم مبادئ النزاهة، وهو الشفافية والوضوح، كما محاولات استنطاق الأستاذ العجلان من أجل معرفة آخر ما توصلت إليه نزاهة في تحقيقاتها بشأن تلك القضية لم يكتب لها النجاح، حيث اكتفى العجلان بالإجابة من خلال رسالة مختصرة، قال فيها "سبق أن صرحت للإخبارية قبل يومين عن الموضوع، أرجو الرجوع إليه وشكراً"، إلا أني على الرغم من ذلك سأحترم رأي نزاهة، وسأفترض أن ابن وزير الخدمة المدنية فلتة – ما شاء الله عليه – فتم التعاقد معه على برنامج الكفاءات المتميزة، وهنا تتبادر إلى أذهاننا الأسئلة التالية: ما معايير التعاقد على بند استقطاب الكفاءات المتميزة؟ وهل انطبقت تلك المعايير كلها على ابن وزير الخدمة المدنية؟ هل دخل ابن معاليه في منافسة وظيفية معلنة مع آخرين؟! ومع أني لا أؤكد ولا أنفي ولا أثبت ولا أستبعد ثبوت التهمة إلا أني أتمنى من صميم قلبي أن تكون إجابات هذه الأسئلة في صالح ابن الوزير، لكن تغييب تلك المعايير يشي بخلاف ذلك، وهو يخبرنا ضمنياً أن الرياح قد أتت بما لم تشته السفن!.
تصريح العجلان أعادني إلى حادثتين مشابهتين تماماً لهذه القضية من حيث مجريات الأحداث، مختلفتين تمام الاختلاف من حيث النتيجة والتداعيات، وبمقارنتنا بين الحادثتين يمكننا أن نعرف سراً من أسرار التقدم، ولغزاً من ألغاز التخلف، ولنتصرف بعد ذلك بحسب ما نريد أن نكون، فالحادثة الأولى كنت شاهداً عليها قبل سنوات، عندما التقيت أحد المسؤولين، وكان الناس في عهده متذمرين جداً من المحسوبيات وتوظيف الأقارب والأصدقاء، فكانوا كلما سألوا عن إعلانات وظيفية أُجِيبوا بانتظار إعلان بهذا الخصوص، فيما هم يرون الوظائف تذهب لغيرهم دون إعلان أو مفاضلة، وحين استفسرت منه عن تساؤلات الناس، قال بكل ثقة: إن كل الأشخاص الذين قام بتوظيفهم أكفاء، وأخذ يحدثني عن سيرهم الذاتية وحسن أخلاقهم وصلاحهم، معتقداً أنه بذلك قد أقنعني، مع أن إجابته في الواقع كانت تافهة، وسكت بمجرد أن قلت له: كيف عرفت أن الآخرين لن يكون بينهم من هم أكفأ ممن قمت بتوظيفهم، أعطني سيرهم الذاتية وسآتيك بالعشرات ممن هم مثلهم وأحسن منهم. مع العلم أن هذا المسؤول تمت ترقيته، وقد أراه معتلياً في مكان آخر!.
أما الحادثة الثانية فهي لوزير عدل ياباني قدم استقالته قبل سنوات بسبب زلة لسان عندما قال مازحاً: إن أداء مهامه كوزير للعدل أمر سهل، وقال "ليس علي سوى تذكر عبارتين، يمكنني استخدام أي منهما في البرلمان عندما أكون في حاجة إلى إجابة"، وهما "أمتنع عن الإدلاء بتصريحات بشأن قضية محددة" و"نحن نتعامل مع المسألة على أساس القوانين والأدلة"، وما قام به هذا الوزير مشابه تماماً لفعل نزاهة وتصريحها فيما يتعلق بقضية ابن الوزير، فهي قد امتنعت عن الإدلاء بتصريحات محددة لصحيفة "الوطن" بخصوص المعايير، وقالت على لسان متحدثها "عندنا حالة موجودة وعندنا معيار، عندما يتوافق هذا المعيار مع الحالة لا مشكلة، عندما يختلف هنا تأتي عملية البحث"، وهي أصلاً لم تُطلِع الناس على هذه المعايير حتى الآن!.
يبدو أن إجابة المتحدث الرسمي لنزاهة دارجة في العرف الإداري عندنا، وأخشى أن تتحول إلى نظرية في الإدارة لها منظروها وأتباعها ومؤيدوها من الذين يريدون الالتفاف على النزاهة والنظام بتشريع ممارسات غير مشروعة تخولهم استغلال سلطاتهم في التوظيف والفساد، ولا أدري كيف تريد نزاهة أن تقنعنا أن شخصاً بهذه المواصفات المعلَن عنها يمكن التعاقد معه على برنامج الكفاءات المتميزة! خصوصاً أنه في موضع شبهة، وعليها أن تعلم أنه لا يمكن إقناع الناس بتبرئة ابن الوزير إلا بأمرين لا ثالث لهما، أولهما: أن تبين نزاهة معايير التعيين على برنامج الكفاءات المتميزة، ثم تثبت أن ابن وزير الخدمة المدنية قد حققها كلها، وثانيهما: أن تثبت أنه دخل في منافسة وظيفية معلنة مع آخرين فتفوق عليهم، أي محاولة أخرى للتبرئة ستسقط نزاهة نفسها، وسيفقد النظام هيبته، وقد تتغير في نفوس الناس قيم كثير من الأشياء، ومعايير كثير من الأحكام، وأقدار كثير من الناس، ولربما دعا ذلك المحبطين إلى الهمس جهراً؛ خدعونا فقالوا "من جد وجد، ومن زرع حصد".