كثيرا ما يتبادر إلى أذهاننا عند سماع معلومة مهمة، أو عند تذكر صديق ما أو ذكرى من الماضي فنتوجه إلى تسجيل جميع تلك المعلومات والذكريات والرسائل والأرقام والتفاصيل المهمة في هواتفنا الذكية إلى أن أنشأنا قاعدة بيانات ضخمة، لكي يتسنى لنا أن نجمعها ونعود إليها، ونسترجعها متى ما احتجنا لذلك، ولا نحمل عقولنا عبء حفظ المعلومة، فقد يحدث أن تنسى ذكرى جمعتك بصديق أو قريب وتعود إلى هاتفك لتتذكرها ويحدث أن تصبح بلا هوية ويصيبك فقدان بالذاكرة لمجرد حدوث أي خلل في الهاتف، ويحدث أيضا أن تجلس مع صديق وتتجاذبان أطراف الحديث حتى يشرد ويمسك بهاتفه ويبتسم دون أن تعرف سبب ابتسامته، ويحدث أن يتسلل الشرود إلى مائدة الطعام فيختزل اجتماع الأفراد في اجتماع الأجساد فقط، وتتفرق العقول لانشغالها بملامسة الهاتف الذكي، إلى أن وصلنا إلى مرحلة بقائنا مقيدين بهواتفنا على الدوام وأصبحت هي القاضي ومحامي الدفاع ونحن في دائرة الاتهام بسبب ذكاء هواتفنا علينا وغبائنا.

فبمجرد نسيان الرقم السري لأحد برامج التواصل الاجتماعي سنفقد أصدقاءنا ومتابعينا الذين تربطنا بهم علاقة من خلف الشاشة التي لا تكاد مساحتها تتعدى 4 بوصات، وقد أصبح استيعابنا العقلي يمر بحالة من الزهايمر والغيبوبة المعرفية التي قرر الإنسان أن يعيشها خلال عصر المعلوماتية، وأعلنا استسلامنا للنسيان الطوعي للمعلومات، لأننا ندرك بأنه من الممكن الوصول إليها عن طريق هواتفنا الذكية في أي وقت، لكن يبقى الهاتف الذكي سلاح ذا حدين فأحسن استخدامه، ولا تسمح له بأن يدمر واقعك ويجرفك بين طيات مده وجزره الوهمي ووعاء ذاكرتك المؤقت، بل تكون معه صاحب الرأي لا مجرد المتلقي.  أنا لست هنا بصدد معارضة التطور التكنولوجي أو مقاومة التغيير وسأكون ساذجة إن طلبت منك ألا تشتري هاتفا ذكيا، ولكني أدعوك فقط لأن تمتلكه، لا أن يمتلكك، وأن تكون قائدا له، لا تابعا إليه، ببساطة أن تكون أكثر منه ذكاء.