رغم أن هناك 6 أشهر تفصل الفرنسيين عن موعد انتخاباتهم الرئاسية، ورغم وجود 7 مرشحين جديين أعلنوا حتى الآن ترشيحهم لهذه الانتخابات، فهناك نقطتان رئيسيتان في هذه الدور الانتخابية قد تم حسمهما، الأولى: من لن يكون رئيسا، والثانية: من الناخب الرئيسي في هذه الانتخابات؟

أما من هو الشخص الذي لن يكون رئيسا فهو فرانسوا هولاند الرئيس الحالي، والذي تجمع جميع استطلاعات الرأي وجميع التحليلات على أنه لن يكون قادرا على تخطي الدورة الأولى، وذهب البعض أبعد من ذلك بتوقع أنه لن يخوض السباق الرئاسي من أصله بناء على استطلاعات الرأي العام، وشعبيته المنخفضة تزداد انخفاضا كل يوم، بالإضافة إلى فقدان الفرنسيين ثقتهم به، وتدهور هذه الثقة أكثر مع كل تفجير تشهده الأراضي الفرنسية. وقد جاءت مظاهرات الشرطة الفرنسية لتزيد الوضع سوءا على رأس هولاند وحزبه، فالمظاهرات التي شلت شوارع رئيسية في باريس وشارك بها أكثر من 3 آلاف عنصر من عناصر البوليس الفرنسي احتجاجا على سوء أوضاعهم، وتقصير الحكومة في تأمين الحماية لهم، وتزويدهم بالمعدات التي تمنحهم الدفاع عن أنفسهم، وفداحة هذا التقصير الذي يجعلهم عرضة لعمليات الاعتداء والعمليات الإرهابية، ويقلل من قدرتهم على مواجهة الإرهاب الذي يهدد فرنسا، وترافق ذلك مع احتجاجات عمالية تعترض على قانون العمل الجديد، استغل المرشحون الآخرون هذه الأحداث ليحملوا المسؤولية للرئيس هولاند وفريقه، ويربطوا بينها وبين التهديدات الإرهابية التي يترقبها الفرنسيون بقلق بالغ.

استطلاعات الرأي ترجح فوز آلان جوبيه بالانتخابات القادمة، لكنها لا تحسم شيئا سوى مصير هولاند. وسوى تحديد الناخب الرئيسي في هذه الانتخابات، وهو الإسلام، فمسلمو فرنسا والموقف منهم سيكون العامل الحاسم في اختيار الفرنسيين رئيسهم القادم، وقد بدأت الأحزاب والتيارات السياسية بطرح خطط وبرامج مختلفة، لحل الأزمة التي تشهدها الجمهورية الفرنسية، والتي تشغل بال الفرنسيين، وعلى رأسها وضع المسلمين والتعامل مع الإسلام في فرنسا، والعلمانية، والحرب على الإرهاب، وغلق باب الهجرة إلى فرنسا، وهي المشكلات التي توصف بأنها التحدي الأكبر أمام الرئيس الفرنسي القادم وحكومته. وقد أجمع المرشحون جميعا على تعزيز الحل الأمني لمواجهة الإرهاب ومواجهة تيارات الإسلام السياسي بالشارع الفرنسي، سيما أن التوقعات تشير إلى أن هناك 7 ملايين مسلم فرنسي بنوا 2300 مسجد، وأنهم سيصبحون ربع سكان فرنسا خلال أقل من 10 سنوات.

وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية -وهو منظمة تعنى بتمثيل المسلمين في فرنسا- فإنه مع بداية 2013 ازدادت الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين بنسبة 25%، وتعرض حوالي 12 مسجدا للتدنيس عبر رسومات معادية على جدرانها، وفي 2015 بلغ عدد الأعمال المعادية للمسلمين 429 حادثا، مرتفعا بنسبة 223% مقارنة مع 2014.

وبعد الهجمات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها باريس، بدأت ملامح الحركات المعادية للمسلمين تنشط بشكل واضح، من خلال كتابة شعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات، ورفع لافتات تربط الإسلام بالإرهاب، خصوصا بعد أن كشف مسؤولون قرارا حكوميا بإغلاق أي مسجد "يثبت إيواؤه إرهابيين أو متطرفين، أو ضلوع المشرفين من عاملين فيه أو أئمته في بث خطاب الكراهية".

الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري جولتها الأولى 23 أبريل، والثانية في 7 مايو، ستكون فرصة لإشعال جدل كبير في دوائر السياسة الفرنسية حول كيفية التعامل مع الإسلام والمسلمين، وحول خطر الإرهاب الإسلامي الذي بات هاجسا يوميا للمواطن الفرنسي وللحكومة على حد سواء، وسيتأرجح المرشحون بين خطرين انتخابيين، هما خسارة أصوات الناخبين من ذوي أصول إسلامية، والذين باتوا يشكلون ثقلا عدديا ونسبة يعتد بها، وبين طمأنة بقية الفرنسيين لكسب أصواتهم، والطمأنة التي نتحدث عنها تعني التصريح بلغة حاسمة وبنبرة عالية عن سياسة الضرب بيد من حديد على بؤر الإرهاب المحتملة، وتضييق شروط الهجرة واستقبال المهاجرين الجدد، لا سيما من الدول الإسلامية، وإن كانت العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا وتبين أن من قاموا بها هم مسلمون متطرفون، قد أطاحت بأمل فرانسوا هولاند بالبقاء في الإليزيه لدورة ثانية، فإن خطر تكرار هذه الأعمال وطريقة التعامل معها سيحددان من هو الشخص الذي سيسكن الإليزيه، وفي الحالين فإن الإسلام هو الناخب الرئيسي.