فتحت المكتبة الشعريّة عينيها، على إصدار نقدي جميل، قبل أسابيع، وهو من الناحية النوعية أراه جديدا على مكتبة الشعر، وبالذات الشعر العامي.

الكتاب جديد نوعياً، لأنه للمرة الأولى التي أشاهد فيها كتابات نقدية لأسماء مختلفة حول تجربة شاعر واحد. إذ اعتدنا على إصدارات نقدية، إما لمؤلف واحد يتناول تجارب شعرية عدة أو تجربة فردية، وإما مجموعة من النقاد يتناولون تجارب مختلفة، يجمعها كتاب واحد.

(عصا الترحال)، كتاب نقدي أكثر من جميل، يتناول فيه مجموعة من النقاد الأكاديميين وغير الأكاديميين، تجربة شعر عامي طويلة وممتدة لقرابة العشرين عاما، للشاعر الحداثيّ الجميل عبدالله عطية الحارثي.

عرفت عبدالله الحارثي، شاعرا، من صفحات الجرائد، وتحديداً، جريدة عكاظ، عام 1415 تقريبا، وتغريبا.

وهذا الزمن الذي قرأت فيه عبدالله، ونشر فيه عبدالله، كان زمناً لا يشغل بال الشاعر فيه شيئا غير كتابة الشعر، ثم نشره في أي صفحة متخصصة، وأعني: ليس زمناً كهذا الذي لا يفكر الشاعر فيه في مسألة الشعر للشعر، وإنما هناك ما يشغله، من فضائيات، وإذاعات، وإنترنت، ودواوين صوتية، وصور شخصية منمقة بالفوتوشوب، بينما يأت الشعر أخيرا وآخرا، في بال شعراء هذا الجيل.

عبدالله ككل شعراء جيله، كان يحرق نفسه من أجل كتابة فكرة بيت شعر، وبعد أن يكتبه يتأمله، وبعد أن يتأمله يُصادقه، ويحبه.

لغة عبدالله الشعرية، تخرج من بين الكلاسيكية والحديثة، ولهذا فتراكيبه الشعرية وصوره الشعرية، تأتي في قالب لغوي شفاف، ما بين الغموض الفني الحديث، وبين السلاسة والمباشرة في صور النمط الشعري الكلاسيكي، لذا قصيدة عبدالله كما أراها، كرسي بين مدرستين.

عبدالله شاعر وجداني وتأملي، ولهذا فمعظم نصوصه تبرز فيها الذات المتكلمة بشكل واضح، وكأنما أراد عبدالله أن يغلق دفتره الشعري على ذاته، ويجلس في قصيدته، هامسا بصوت خفيض عن عذاباته، وغرامياته، كشاعر كتب أغلب ما كتب، في الشق العاطفي والغزلي من الشعر، ومن القلب.

يستحق الشاعر مثل هذا الإصدار الجميل، وتستحق مكتبة الشعر العامي، إصدارات مميزة وواعية مثل (عصا الترحال).