لا يكاد يمر أسبوع دون أن أعرف عن مناشط ثقافية تقام هنا أو هناك في محافظات عسير، كحراك طبيعي لاهتمامات قاعدة عريضة من المثقفين والمثقفات بالمنطقة، يعكس مدى تعلقهم التاريخي بالثقافة وهمومها، وهو من وجهة نظري علامة يتميز بها الإنسان العسيري وأهل الجنوب بصفة عامة، والتاريخ الأدبي للمملكة حافل بنماذج الثقافة والأدب والتنوير في هذا الجنوب الصاخب بأصوات الإبداع.
إلا أن حضور الفنون يبدو خجولا على مستوى بعض المناشط التي تعد من صلب الثقافة البيئية، كالعروض الفنية التراثية الراقصة مثلا، التي تُعد إحدى أهم صفات الحياة الاجتماعية في الجنوب.
ويأتي أهم الغائبين على الإطلاق هو النشاط المسرحي، ذلك الذي يُسمى "أبو الفنون"، وسط الضجيج الكبير للمسرح السعودي في الدمام وجازان والطائف، إلا أن الحضور المسرحي في عسير يبدو ضعيفا، وهو ما يدعوني للتعجب في أكثر من اتجاه، فالمشاركات المسرحية لعسير في المهرجانات المسرحية المحلية ليس لها صوت واضح، وهو ما يفسر غيابه على مستوى الخليج أو المشاركة العربية، على العكس من مناطق أخرى تحاول وضع بصماتها في تلك المحافل، على الرغم من امتلاك المنطقة البنية التحتية الجيدة لإقامة الأنشطة المسرحية، ووجود فرقة المسرح في فرع جمعية الثقافة والفنون، وفرقة مسرح جامعة الملك خالد، وما لفت نظري أثناء بحثي عن نشاط مسرحي مهم للمنطقة في السنوات الأخيرة، وجدت منشورات تعود لتواريخ متباعدة، أقربها كان في 31 مارس 2016، تحدث عن مهرجان "مسرح إبداع" حمل عنوان "توصيات بتعزيز جودة المهرجان المسرحي بأبها"، وأبعدها يعود إلى 10 يناير 2010، بعنوان "مسرح عسير يمثل المملكة دوليا والتمويل أكبر مشكلاته"، والأخير كتبته سامية البريدي، قالت في مقدمته، "بدأت منطقة عسير كمثيلاتها من المناطق الأخرى بالمملكة في إقامة عدد من المسرحيات الاجتماعية والثقافية التي تشرف عليها جمعية الثقافة والفنون بأبها، وعدد من المخرجين للمسرحيات، لكن منطقة عسير بدأت متأخرة عن غيرها"، فيما شبه المخرج المسرحي والممثل، عضو جمعية الثقافة والفنون بعسير، فيصل الشعيب "المسرح في عسير بالطفل الرضيع الذي ما زال يحبو ولم يخطُ خطوة واحدة إلى الأمام حتى الآن، وأعاد السبب إلى نقص الدعم المادي والمعنوي، على عكس فرق الفنون الشعبية التي تجد كل الدعم، خصوصا المادي، وقال تنقصنا أيضا دور عرض متخصصة، فمسرح المفتاحة لا يصلح للعروض المسرحية، ومسرح الجمعية لا يفي بالغرض، مع أن الفرقة المسرحية متكاملة"، وعن عدم ظهور أعمال المسرح في عسير إلا مرة واحدة في العام، قال، بأن ذلك يعود إلى الأمور الإدارية والمالية في الجمعية"، بينما تظهر العروض المسرحية كنشاط مدرسي محلي أكثر في أوقات مختلفة.
لكن ما أستغربه أن "مهرجان الكوميديا" ضمن نشاط "مهرجان أبها يجمعنا" الذي أقيم قبل أشهر، مر دون أن تشارك مؤسسات المنطقة بأي عمل مسرحي مواز خاص بها، من خلال المؤسسات الثقافية الموجودة أو الجامعة أو أية قطاعات أخرى.!
كاستثمار للحدث والتواجد الجماهيري الجيد، على الرغم من أن الفرصة كانت مواتية جدا لتقديم عمل مسرحي، في ظل وجود عدد من المهتمين بالمسرح من أنحاء الوطن العربي، لكن المناسبة مرت دون أن تضع عسير بصمتها سوى كمستضيف لا أكثر.
في الوقت الذي يأتي المسرح في عسير مترافقا مع مهرجانات الترفيه والتسوق، مقتصرا على مسرح الأطفال، كنشاط محدود جدا.
الواقع أن عسير مؤهلة لإنتاج وتقديم مسرح فاخر، عطفا على كم المثقفين الكبير، وإنتاجهم الأدبي الجميل، لكن تبدو الشراكات التمويلية غير مشجعة، فهل نرى مسرح عسير قريبا في المحافل الكبيرة، واستثمار فرصة اختيار أبها عاصمة للسياحة العربية 2017؟ أتمنى ذلك.