عشت سنوات عمري الطويلة، وكل ما أقوم به هو مساعدة والدي في تعبئة أوراق لإصدار جواز جديد، وإرفاق صورتين ملونتين مع الأوراق، وبعد يومين يأتي والدي لي بالجواز، وقبل أن أضطر لإكمال دراستي الجامعية في البحرين، لم يكن الجواز موجودا برفقتي، فقد كنت أخشى من فقدانه، فأتركه في صندوق والدي، لست صغيرة حتى تصبح تجربتي مجرد أعوام يمكن اختصارها في هذا المقال، ولكن الحقيقة أنني عايشت إصدار جوازي لحبل طويل من السنين، ولم أكن أعاني من وجود مشاكل، فكان والدي هو من يتولى زمام الأمور.

على أي حال، يخطر في ذهني حينما كنت طالبة إعلام في جامعة البحرين، وفي إحدى المرات اضطر والدي للسفر، وكان عليّ تجديد جوازي، وكنت بالتأكيد أخشى على دراستي فأنا أتنقل يوميا من مدينة الخبر الساحلية إلى مملكة البحرين، وانتهاء جواز سفري يعني ذلك عدم إمكاني دخول مملكة البحرين وحضور الصفوف الدراسية، طبعا ذلك قبل إصدار بطاقة الأحوال الشخصية الذكية، وفي لحظة ضيق أخبرت صديقتي البحرينية بالخوف من أن يطيل والدي غيابه في سفره، وعدم قدرتي على تجديد الجواز، فضحكت ملء فمها وعلقت "هدى" ذات الاثنين وعشرين ربيعا "هل يعقل أنك لا تستطيعين تجديد جوازك بنفسك، إنني أقوم بذلك في غضون ساعات، ووالدي متوفى"، لم أستطع أن أتناور معها في الحديث، أو أتحدث معها عن اختلاف القوانين في السعودية عنها في البحرين، كنت قلقة جدا ولا أفهم في نظام الجوازات، وكل ما أفكر فيه هو عدم غيابي عن الجامعة، ولن أطيل لأقول إنه في نفس اليوم الذي عاد فيه والدي -يرحمه الله- من السفر، ذهب وهو مجهد ليقوم بتجديد الجواز وإصدار التصريح الورقي.

القضية التي عانيت منها آنياً وعانى منها أيضاً أشقائي، أن جوازي على وشك الانتهاء، وتصلني رسائل بأهمية تجديده، منذ شهر يونيو حتى يوم أمس ونحن نحاول أن نجد منفذا لتجديد الجواز، الأسباب كثيرة، موظفون لا يعلمون جيدا القوانين المستجدة، ويطالبون بوجود وكيل أختاره أنا شخصيا ليقوم بتجديد جوازي، وزارة العدل التي ذهبت إليها مرتين، تخبرني بأنهم تلقوا تعليمات جديدة وحديثة، بعدم ضرورة إصدار وكالة للفتاة التي توفي والدها، إلى جانب عدد من الحالات، إذ يكفي حضور أي من أشقائها إلى مكتب الجوازات، مع وجود بطاقة للأب المتوفى، وبالتأكيد بطاقة أحوال الشقيق وبطاقة صاحبة الجواز، لكن المشكلة لم تنته، إذ إن موظف الجوازات أصر على وجود الوكالة، ووزارة العدل تطبق النظام الذي وصل إليها بعدم تفويض الفتاة لأي من أشقائها لإصدار جواز لها، فيمكنه فقط الذهاب مع بطاقة الأب المتوفى، وبسهولة يحصل على جواز شقيقته.

لا توجد رؤية واضحة، لا يوجد قانون واضح للمواطنين، عشت أشهرا ضاعت بين هنا وهناك، في محاولة لفهم القوانين المختصة، في الحقيقة لم أكن أحمل في داخلي أي من مشاعر الضيق الشخصي، فأسرتي تدعمني وهذا يكفيني، لكني كنت أتساءل عن عدم وعي موظفي الجوازات بالقوانين المستجدة حاليا، وهذا ما يمكن له أن يبدد أوقاتنا، خصوصا إذا كنا نعمل في شركات أو مؤسسات شخصية، والوقت يحسب بالدقة، سواء لي أو لأشقائي الذين حفظوا مباني الجوازات ووزارة العدل.

ما أريد أن أدونه اليوم هي مطالبتي لأعضاء وعضوات مجلس الشورى، بأنهم يصوتون بأحقية أن تقوم المرأة أو الفتاة بعد أن تكون قد وصلت لسن الـ18 من عمرها، باستخراج جواز السفر دون العودة إلى أي رجل من أسرتها، على أن يكون التصريح شأنا متعلقا بالأسرة، دعونا نرتب لكسب الثقة والحرية بالتدريج، لا أن نعامل المرأة وكأنها مصنع للفضيحة أو العار. الجواز وثيقة رسمية مهمة، ويجب ألا يتعطل إصداره بأي شكل من الأشكال، لأنني لا أتوقع أنني أظل حبيسة لجواز منتهي الصلاحية، لأن إدارة الجوازات لديها نظام لم يصل إليها من وزارة العدل، ووزارة العدل تتحفظ ولا تريد أن تغامر بأي مسؤولية أمام الجوازات.

كما يفترض على جميع أعضاء مجلس الشورى أيضا التصويت لإقرار بأن المرأة ما إن تتعدى عمر 39 عاما، حتى يكون لها الحق بأن تكون وكيلة نفسها، ويمكن لها أن تصدر جواز السفر الخاص بها ومن تعولهم، ويحق لها السفر من غير وجود تصريح، دعونا نتعامل مع المرأة السعودية ككائن قوي وعصامي، وتستحق الثقة غير الممنوحة لها، من دون مناورات أو رسم خطط متعرجة لطريق مستقبلها، وعلى الأخص أنها منذ زمن طويل جدا، وهي تلعب أدوارا مختلفة ومؤثرة بين أفراد أسرتها ومجتمعها، ويحق لها أن تحظى بعدد من المكافآت، بدلا من العمل على شقائها ومرمطتها بين مكاتب العدل والجوازات.