مؤخرا خرج علينا الجنرال حسن فيروز آبادي، رئيس هيئة الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية سابقا والمستشار العسكري الحالي للمرشد الأعلى في إيران، خرج بتصريحات نشرتها وكالة أنباء تسنيم المقربة من الحرس الثوري الإيرانية، وتناقلتها عدة مواقع إيرانية أخرى، من بينها موقع قناة العالم. في تلك التصريحات كرر فيروز آبادي مزاعم أن إيران تحارب تنظيم داعش، ولكن الجديد تصريحه بأنه بلاده قد اشتبكت مع أعضاء التنظيم على مسافة 40 كليومترا من الحدود الإيرانية (العراقية). فما كان من الصحفي الذي يجري الحوار معه إلا وباغته بسؤال منطقي ومتوقع يتمثل في: هل تم الإعلان عن هذه المواجهة المسلحة مع تنظيم داعش؟ جاء رد فيروز آبادي بالنفي، معللا ذلك بأن "إيران تعلم أنها ضربت داعش، وكذلك التنظيم لا يستطيع إنكار أننا قمنا بهذا العمل ضده". ثم اتهم قبيلة عربية -لم يسمها- بدعم الإرهاب في منطقة حدودية مع إيران!

منذ ظهور داعش في منتصف 2012 تقريبا، بعد أن اتضح جليا أن نظام بشار الأسد في موقف ضعف أمام الثوار السوريين، ثم توجه جناح من التنظيم إلى العراق وقيام جنرالات الجيش العراقي بالانسحاب من الموصل وتسليمها للتنظيم دون قتال، بل وترك كمية كبيرة ومتنوعة من الهدايا عبارة عن أسلحة متنوعة ومصارف بنكية تحتوي على مئات الملايين من الدولارات، وإيران وداعش يتبادلان "شعارات العداء"، ولكنها محصورة في التصريحات فقط، أما القتل والتدمير والتنكيل والتشريد فمن نصيب العرب السنة في العراق وسورية، والعمليات الإرهابية التي يتبناها تنظيم داعش والإعدامات وعمليات الغدر والخيانة من نصيب بقية الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

خلال الفترة الماضية ظهر تصريحان صوتيان لزعيم عصابة داعش، تحدث في الأول لمدة 37 دقيقة تقريبا، وفي الثاني قرابة ذلك، وفي كلتا الحالتين يوزع البغدادي عبارات الموت والحث على القتل والدمار والتخريب في الدول العربية ثم بعد أن توترت العلاقة بين بغداد وأنقرة بسبب الأوضاع في الموصل وغيرها، وقد ضم البغدادي دولة تركيا إلى القائمة. في كلتا الكلمتين المسجلتين لم يتطرق زعيم عصابة داعش إلى إيران ولم يحث عناصره -كما هو حال تعامله مع الدول العربية- على القيام بعمليات "جهادية" ضد النظام الإيراني. أيضا قام تنظيم داعش بإعدام العشرات من جنسيات عربية وشرقية وغربية، مسلمة ومسيحية ولا دينية، وقام بتصويرها وبثها على الإنترنت ولكنه لم يصور عملية إعدام واحدة في حق جندي إيراني، وكلا الطرفين يزعمان أن المعارك مستمرة بين الجانبين في العراق وسورية وهناك اشتباكات مباشرة، كما يزعمون حدثت في تكريت وغيرها.

الواقع المؤلم هو أن من يتتبع تحركات تنظيم داعش يجد أنه يقدم خدمات جليلة للمشروع الإيراني في المنطقة العربية، وأصبحت عناصر التنظيم كالدمى يتم توجيهها إلى المنطقة التي ترغب إيران في استهدافها حتى يتم تنفيذ المشروع من عمليات إبادة طائفية وتغيير ديموجرافي وفتح طريق معبد لإيران من العراق إلى سورية وصولا إلى لبنان، وبذلك تتحقق الآمال الإيرانية التي كررها مسؤولون إيرانيون كثر بأن حدود نفوذهم ستصل إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط.

إن ما نشهده في الموصل من عمليات طائفية من قبل قوات الحشد الشعبي الإرهابي وبقية الميليشيات لم يكن ليحدث دون مبرر قتال داعش في المناطق السنية التي تعد أساسا المناطق التي يستهدفها التنظيم دون غيرها، وهذا مصدر تعجب آخر تجاه المهمة التي ينفذها التنظيم في الداخل العراقي. وعلى الأرض السورية، لم يتم رصد أي مواجهة مباشرة بين قوات بشار الأسد والتنظيم، بل إن الثوار السوريين يؤكدون على تكرار تحاشي الجانبين النظامي السوري وداعش لأي مواجهة مباشرة بينهما.

نعلم أن هناك شبابا متحمسين تم التغرير بهم واستهوتهم الشعارات العقائدية والوعود بالحور العين ونحو ذلك، وتحولوا إلى حطب نار لحروب استخباراتية ومشاريع تستهدف المنطقة، ولا يدرك هؤلاء الشباب ما يدور في غرف التحكم والسيطرة في هذه التنظيمات وقياداتها، والأهداف من وراء إنشاء مثل هذه التنظيمات. لكن هذا لا يبرر مطلقا انسياق هؤلاء الشباب خلف المشاريع الهدامة التي تجعلهم أدوات تنفيذية لتلك الخطط التي تتم إدارتها من خلف الستار وتحت شعارات دينية وطائفية. لقد اتضح جليا أمام كل عاقل وقارئ للأحداث في المنطقة والعالم أن مثل هذه التنظيمات الإرهابية خلقت لأهداف غير التي تظهر بها، وأنه سوف يتم التخلص منها بعد تنفيذ المهمة على أكمل وجه.

إن شعارات العداء التي لم تتجاوز صفحات مواقع الإنترنت ليست سوى جزء من تلك اللعبة القذرة، كما أن داعش وإيران وجهان لعملة واحدة عند الحديث عن مخططات استهداف العالم العربي على وجه الخصوص. وختاما، يرى كثيرون أنه من غير المستبعد أن تشهد إيران حادثة توصف بالإرهابية بعد أن اتضح التقارب في الأهداف بين طهران وداعش لمجرد ذر الرماد في العيون وتشتيت أذهان المراقبين.