سأبدأ مقالي بخبرين، الأول: طالب سماحة مفتي المملكة عبر تغريدات بثها موقع هيئة كبار العلماء على "تويتر"، الداعية إلى الله، بأن يكون ذا خلق كريم، وسيرة حسنة، وعمل صالح، فلا يدعو الناس إلى شيء ويخالفه. والخبر الثاني: أكد وزير التعليم عزمه القضاء على مشكلة التنمر في المدارس من خلال المشروع الوطني للوقاية من العنف بين الأقران. وذكر أنه "مهما كانت نسبة حدوث ظاهرة التنمر إلا أنها مقلقة على المستوى التعليمي والتربوي، ونتمنى أن تختفي هذه الظاهرة من مدارسنا". لعل أحدهم يسأل ما الرابط بين الخبرين؟ الرابط هو "الأخلاق"، فمجتمعاتنا وإن كانت مجتمعات متدينة محافظة، ولكنها مجتمعات يعيش بعض أفرادها بوجهين، بمنطقين، وجه للتدين وآخر للأخلاق، وجه يصلي به، ووجه يتزلف به، وجه يحث الناس على الزهد ووجه آخر يعيش حياة المترفين. وجه يتحدث فيه عن خطر الابتعاث للغرب ووجه آخر يدفع بأبنائه المبتعثين للالتحاق في الجامعات الغربية! وجه تعتمر فيه المرأة المتدينة بكامل تقواها، ووجه آخر تقمع وتظلم به عاملتها المنزلية. هكذا يعيش بعضنا بوجهين، نلبس رداء الدين من الخارج دون أي غطاء داخلي من الأخلاق، فننقلب عراة حتى ونحن ملفوفين بالقماش من رؤوسنا لأخمص قدمينا.
بالتأكيد، لا يتنافى الدين والأخلاق، فالدين كما في الحديث الشريف: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، معنى ذلك أن الأخلاق كانت موجودة وتماميتها جاءت على يد الرسول الكريم، فالأخلاق تسبق الأديان بأزمان طويلة، لكن البعض في مجتمعاتنا يستخدم الدين ليبرر تخليه عن الأخلاق من حيث يدري أو لا يدري، فتراه مثلا يذهب إلى المسجد لإدراك وقت الصلاة وفي الحال ذاته يقف بسيارته في منتصف الطريق معطلا السير متسببا في الزحام!
نحن في أمس الحاجة إلى تعزيز الأخلاق الإنسانية بدءا من المدارس، فإطلاق مادة التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية نستطيع من خلالها القضاء على زيادة معدلات التنمر بين الطلاب، وهو ذات السبب الذي قررت من خلاله اليابان إطلاق مادة الأخلاق التي ستكون مقررا إجباريا في جميع المدارس في 2018، حيث كانت مادة اختيارية منذ ستينات القرن الماضي. وعزت قرارها إلى وجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس وتزايد معدلات الجريمة بين الأحداث. وتتضمن المادة الجديدة تفاصيل سلوكية دقيقة مثل طريقة المشي ومستوى الصوت ارتفاعا وانخفاضا عند الحديث، واختيار الكلمات عند محادثة أشخاص من فئات عمرية أكبر.
وقبل أيام كذلك اعتمد مجلس أبو ظبي مادة التربية الأخلاقية ابتداء من الفصل الدراسي الثاني لهذا العام. ولو قمنا نحن في المدارس بتدريس مادة الأخلاق لما نشأ لدينا طفل وفي قلبه بغض على أخيه المخالف له في الرأي أو الدين أو المذهب، ولما استطاعت أية جماعة متطرفة أن تستدرجه تجاه معتقداتها.
نتمنى أن تبادر وزارة التعليم بجعل هذا المقرر إجباريا في المدارس من رياض الأطفال وحتى الجامعة، كل حسب مرحلته، على أن يحوي مهارات أخلاقية توضع لها استراتيجيات تدريس خاصة، وليس كما هو حاصل الآن من تقديم نصائح معلبة لا تدخل القلب.