مواقع التواصل الاجتماعي هي فعلا ثورة هذا القرن. دخلت مسالمة أو كما يقال قوة ناعمة، لم تشن حربا أو تصنف الأتباع، احتوت الجميع، بل أصبحت الملاذ للتائهين والبسطاء وحتى السذج. كانت من الذكاء بحيث جذبت الكل وفتحت المجال لمن أراد أن يكون صالحا أو طالحا، بات بالإمكان تقييم وعي المجتمعات وتخلفها من خلالها، والتقييم لا يعتمد على كثرة الاستخدام وإنما نوعيته، فإذا كان هناك من يهدر وقته وجهده للإساءة إلى نفسه وإضحاك الناس عليه، فهناك من كانت هذه الوسائل وسيلته لنشر فكره وعلمه، وكلاهما حقق رواجا وسجل نسبا عالية من المتابعين، قياسا على اختلاف الأذواق والاهتمامات.
ما هو مستغرب إنكار بعضنا أنه أسهم في صنع نجوم الورق في هذه الوسائل، هو من صفق وضحك وروج ما يصدر عنهم من توافه هي أقرب لخدش الحياء والذائقة من الإضحاك أو "الوناسة"، وجعلهم في ليلة وضحاها شخصيات اعتبارية تستضاف في برامج تلفزيونية ومهرجانات جماهيرية، لتطلع المشاهدين والمتابعين على تجاربها وخبراتها غير المشرفة إطلاقا.
مشكلتنا هي الهرولة دون وعي وراء كل من ذاع صيته حتى وإن كان الصيت خوارا، حكمنا عليه ينطلق من مبدأ قدرته على استحقار نفسه وجعلنا نغرق في الضحك حتى البكاء، وعندما نفيق نعلم يقينا أننا جنينا على هؤلاء وعلى أنفسنا، لأن هذه النماذج من البشر لا تخلو من الاعتلالات النفسية أو الصدمات الاجتماعية، ونحن نزيدها دمارا بالتشجيع، وعوضا عن المعالجة نستقطبها كواجهات إعلانية أو كشخصيات تقدم الوعظ والنصيحة أو ربما الفتوى بعد أن ينتهي الصراع على امتلاكها والتأثير عليها لتعلن ندما أو توبة، ثم تقلب الحال إلى فكاهة مغلفة بالدين، وهنا يسمح لها بتمرير ما تريد، فهي بفعل التوبة المعلنة لم تعد موضع شك، والمتابع لأغلب المشاهير من شاكلة أبوسن إلى أبو غرة يلاحظ أن نهايتهم متشابهة تاما، توبة نصوحا
أما من تكون شهرته علما أو أدبا فهناك زهد كبير في عملية استهدافه كنجم مهرجان أو لقاء، وكأن بضاعته مغشوشة ولا فائدة منها أو مقارنة جودتها بتلك التي صنعت السذاجة لنطرب ونصفق لها، ثم نتخذ من صاحبها القدوة الصالحة التي تتناقل سيرته الأجيال!