• الطفولة -التي تسبق الالتحاق بالمدرسة تحديداً- هي أكثر مراحل العمر وضوحاً واختلافاً في آن، فمن حيث السلوك وحضور الشخصية لا يوجد أطفال يشبهون بعضهم في هذا العمر حتى التوائم. لكل طفل إيقاعه ووقعه الخاص، لكنهم حين يدخلون إلى مؤسسات تعليمية لا تكترث لفرادتهم وفردانيتهم واختلافهم، ولا ترعاها وتنميها، بل تعمل على تلقينهم بملعقة واحدة وبطريقة واحدة، فإنهم تدريجياً يخسرون هذا التمايز والاختلاف، ولا تكاد تمر بضع سنين حتى يصيرون تقريباً نسخاً متطابقة. هذه المؤسسات تفعل فعلتها هذه من جهة، ومن جهةٍ أخرى تفعل ثقافة المجتمع والقبيلة والعائلة والمحيط الأيدولوجي الأحادي، نفس الفعلة لكن بطريقة مختلفة، وهكذا يخسر كثيرون عمق طفولتهم أكثر.. كلما كبروا أكثر!.
• قرأت مرة "إن الفنّان الخلاّق هو من يحتفظ بطفولته دائماً"، أي أنه الذي كبر لكنه لم يخسر تمايزه وفرادته واختلافه عن الآخرين، أي أنه خرج بطريقته عن الأنماط الواحدية للقبيلة والدين والمجتمع والعائلة. أي أنه تعلّم بطريقة مختلفة غير تلك الطريقة التي تنهجها مؤسسات التعليم في غالب بلدان العالم الثالث بالذات، وهي تلقين المعارف، وليس تأملها ولا قدح التفكير والتساؤل فيها!.
http://www.youtube.com/watch?v=i4lECdc9SLQ
• في الوطن العربي يوجد لفنانين ومبدعين لا يشبهون أحداً ولا أحد يستطيع أن يشبههم، هناك من يستطيع تقليدهم فقط. هؤلاء الخلاّقون يظهرون بجلاء محتفظين بطفولتهم واختلاف شخصياتهم ونتاجهم. والشيء الوحيد الذي يتشابهون فيه هو اختلافهم.. فمثلاً:
- أبو بكر سالم بالفقيه.. أظنه في السبعين، لكنه يقيناً ما زال في تمام طفولته واختلافه، هو الذي غنى "عادك إلا صغير" و "يا سهران" و "كما الريشة" و "عتابك حلو".. الخ.
- صباح فخري.. يكاد يطير مثل ورقة في ريح بآخر كل حفلة، هو الذي غنى "يا طيرة طيري يا حمامة" و "ابعث لي جواب" و "قدك الميّاس".. الخ.
- عبدالهادي بلخياط.. وحسّه العذب يسيل من صوته وعينيه وقسمات وجهه، هو الذي غنّى "الله الله يا ذاك الإنسان" و "يا بنت الناس".. الخ.
- عبدالوهاب الدوكالي.. الذي تلوح يداه وتمتماته قبل كل أغنية في ذاكرتنا، هو الذي غنّى "مرسول الحب" و "ما أنا إلا بشر".. الخ.
• إيمانويل كانظ قال مرة إنه "لا بد من ذوق حتى نحكم في شأن شيءٍ جميل، لكن لا بدّ من عبقرية لإبداع شيءٍ جميل"!.