لا يمكن أن يكون هنالك ثورة في عالم التقنية في ظل غياب عالم المهنة، ولا يمكن لي شخصيا أن أستسيغ مزاحمة دهاقنة التقنية، وأنا فقير مهنيا، فبالمهن تبنى التقنيات وتنشأ الحضارات، وبالمهن وحدها تبقى الحياة وتتعاقب الأجيال.

اليوم كنت أصلح فرامل السيارة وأنظر للمهنيين وهم يقومون بعملهم فسألت أحدهم قلت:

كيف تعلمت تصلح الفرامل؟ قال في الورشة.

منذ كم وأنت تتعلم ؟ شهر وشوية.

صعبة الشغلة؟ ولا صعبة ولا شيء.

طيب درست عن التصليح؟ وليش أدرس تدربت.. بس أشوف وأصلح. (انتهى الكلام).

استغرق عملي نصف ساعة وأخذ مني 150 ريالا رجعت لي حسابات الساعة في أوروبا بما يعادل 7 جنيهات إسترلينية للساعة، أي قرابة 42 ريالا متضمنة الضرائب، فعلمت أن هذا المهني أغنى الخلق بقليل تدريب وكبير عقل. كتبت ذات مرة وأنا في حالة صفاء مهني تشبه حالتي اليوم أن المهني الذي لا يتسخ لباسه ولا تختلط يده ببيئة عمله من زيت أو شحم أو تراب أو قل ما شئت لا يمكن أن يتعلم!!

حين يتعلم 20 طالبا على أجزاء محرك واحد ويلتفون حوله فلا يكاد أهل الصف الأول يرون المحرك عوضا عن أصحاب الصف الأخير فهذا هدر للوقت وشبه تدريب!

وحينما يعطى جوال واحد ليتدرب عليه مجموعة متدربين في برنامج صيانة الجوالات فهذا شبه تدريب!

وحينما يتدرب الميكانيكيون على سيارات Fargo التي باتت أثرا بعد عين في بلد المنشأ فهذا شبه تدريب.

وحينما أدرب على نظام الكربوريتور في زمن الحقن الإلكتروني، وأدرب على الفرامل التقليدية في عصر ABS فهذا أيضا شبه تدريب، ومثلها كثير في الكهرباء والخياطة والموضة والإلكترونيات وغيرها.

أنا بت اليوم متحمسا أيضا لأن أعيد اقتراحا قلته منذ أعوام، وهو أن تكون كلياتنا كليات مهنة قبل أن تكون كليات تقنية، فلاكيك في ظل غياب الخبز .. وأنا أقترح منذ أعوام أن ينطلق شبابنا من السوق باتجاه الكليات وفق آلية محكمة أحتفظ بها لزمن، فلربما يحيل الزمان الأماني حقائق، ولرغبة في تحقيق مقولة أمير الشعراء:

وللأوطان في دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

فهذا نداء أرفعه من هنا لصناع القرار في هذا الوطن الأبي أن نلتفت إلى المهنة بقرارات تشعل التدريب المهني وتخلق الحراك الورشي والمعملي.