أثناء زيارة السيدة كلوديا روث، نائبة رئيس البرلمان الألماني إلى المنطقة الأسبوع الماضي، أثارت موضوع إيران وعلاقتها مع بقية دول المنطقة. فبعد توقيع الاتفاق النووي بين القوى الست الكبرى وإيران، ترغب بعض الدول الأوروبية في تطبيع علاقاتها مع إيران، ومما سيساعدها في ذلك أمام شعوبها أن تكون علاقات إيران طبيعية مع جيرانها.
وخلال زيارات السياسيين الأوروبيين إلى إيران، وزيارات نظرائهم الإيرانيين إلى أوروبا، يسمعون الكثير من الكلام الإيجابي عن رغبة إيران في السلام وفتح صفحة جديدة من العلاقات الإيجابية مع جيرانها. ولذلك يتساءل الأوروبيون: وما المانع من تحقيق ذلك؟
والحقيقة أن ثمة الكثير من الروابط الحضارية التي تربط بين دول المجلس وإيران، وأواصر التاريخ والثقافة المشتركة التي تجمع بين شعوبها، فخلال مئات السنين، تمتع العرب والإيرانيون بعلاقات متينة، ثقافية واقتصادية وسياسية، وعملت الشعوب العربية والإيرانية معاً على بناء الحضارة الإسلامية ونشرها في أرجاء المعمورة، ونشأ عن ذلك العمل المشترك إنجازات حضارية كبيرة أسهمت في بناء التراث الإنساني وتقدمه. وكانت الحدود بين العالم العربي وإيران مفتوحة، مبنية على الثقة والمصالح المشتركة التي كانت تجمع بينهما. ولذلك فإن من الطبيعي أن يرحب جيران إيران – وأقربهم دول مجلس التعاون الخليجي – بأي محاولة جادة لفتح صفحة جديدة من العلاقات الطبيعية معها بما يسهم في أمن المنطقة واستقرارها ورخاء شعوبها، ويعود بالعلاقات العربية-الإيرانية إلى سابق عهدها.
فخلافاً لما يظن بعض الغربيين، فإن العلاقات العربية الإيرانية لم تكن دائماً سيئة، وليس هناك "عداوات قديمة" بين العرب وإيران، بل كانت العلاقات إيجابية في معظم فترات تاريخ المنطقة بعد انتشار الإسلام، خاصة بين ساحلي الخليج العربي. فالروابط الشعبية بينهما عميقة، والقبائل العربية كانت وما زالت تسكن على الساحل الشرقي للخليج، مما جعل مدن إيران الساحلية في ثقافتها ونسبها مدنا أقرب إلى العالم العربي منها إلى إيران. وبنت تلك القبائل على مدى التاريخ جسوراً من القُربى والثقافة المشتركة مع إخوانهم على الضفة الأخرى من الخليج.
كانت هناك بعض الفترات السلبية، دون شك، بما في ذلك محاولات إيران الاستيلاء على البحرين، ولكن تلك المشكلة تم حلها واقتنع شاه إيران بعدم جدواها بعد نتائج التحكيم الدولي. ثم استيلاء إيران على الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) عشية الانسحاب البريطاني. وربما لولا قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 لكان قد تم حل مشكلة الجزر الثلاث أيضاً بالتحكيم الدولي.
ما أحدث نكسة في تلك العلاقات هو قيام الثورة الإيرانية في فبراير 1979، فسرعان ما بدأ المسؤولون الإيرانيون في الإفصاح عن نواياهم بتصدير الثورة إلى دول الجوار، واستخدموا الفتنة الطائفية كوسيلة لتحقيق ذلك، ثم أسسوا الحرس الثوري وقوى الباسيج لتحقيق ذلك بقوة السلاح.
وخلافاً لتصريحات الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف التي تتحدث عن السلام وفتح صفحة جديدة من العلاقات السلمية مع جيران إيران، فإن الحرس الثوري والقوى الأخرى المرتبطة بالقيادة الإيرانية العُليا يبعثون برسائل مختلفة تماماً. فعلماؤهم يؤججون نار الفتنة الطائفية في كل دول المنطقة، وجنودهم ومستشاروهم انتشروا فيها لإسناد القوى الطائفية التي أسسوها، وأصبحت إيران ميداناً لتدريب الإرهابيين، وصناعة المتفجرات التي يتم تهريبها إلى دول المنطقة، وأغدقت إيران المال والسلاح على قوى الانفصال والتجزئة والطائفية، التي فتكت بمئات الآلاف من العرب، في سورية والعراق ولبنان واليمن، ودُمّرت دول عربية واحدة بعد الأخرى.
أي أن إيران تتحدث بلسانين متناقضين، وتتصرف على نحو يتعارض تماماً مع تصريحات قادتها المدنيين – روحاني وظريف – التي تشدد على السلام والمصالحة.
ولذلك، ولكي يكون الحوار بين إيران وجيرانها مثمراً، ولكي تتمكن إيران من إعادة بناء الثقة معهم، فإن هذه الازدواجية يجب أن تتوقف، وأن تلتزم إيران صراحة وعلنا باحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ونظمها السياسية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وأن توافق طهران على مبدأ أن يكون ولاء المواطن وعلاقته بالدولة قائمة على المواطنة وليس على المذهب.
فإذا وافقت إيران على هذه الأسس، قولاً وعملاً، فإن ذلك سيُسهم كثيراً في استعادتها لثقة جيرانها، وبدونها فإن أي حوار سيكون مبتوراً وغير منتج.