أوصى بحث أميركي حديث، قُدم للرئيس المنتخب دونالد ترامب، بخطة رباعية لاستعادة نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، وذلك بعد تنامي الوجود العسكري الروسي بالمنطقة.
وتضمنت الخطة زيادة القوات الأميركية، وإعادة إحياء العلاقات الراكدة مع الحلفاء، ومواصلة التدريبات، فضلا عن توافر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.
وسط تنامي الوجود العسكري الروسي بمنطقة الشرق الأوسط، أكد بحث أميركي حديث نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وتم تقديمه لإدراة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أنه لا يمكن استعادة التوازن في المنطقة، إلا بالتعاون الوثيق مع الحلفاء، بدءا بالحلف الأطلسي، ومرورا بدول الخليج العربي، وانتهاء بمصر.
وقال البحث الذي أعده الباحثان أنا بورشفسكايا، والضابط في البحرية الأميركية الذي عمل لفترة طويلة في منطقة الخليج العربي جيريمي فوغان، حول الانتشار الروسي في سورية، إن لدى الولايات المتحدة قوة متينة في المنطقة تفوق إلى حد كبير كل ما يمكن أن تستطيع روسيا حشده، ولا يحتاج صناع السياسة سوى للإرادة السياسية لاستخدامها بحزم أكبر. وتطرق البحث إلى تطورات تسلل النفوذ الروسي إلى الشرق الوسط، مشيرا إلى أنه أمام إدارة ترامب أربعة خطوات لاستعادة التوازن وهي زيادة القوات العسكرية في المنطقة، وإعادة إحياء العلاقات الراكدة مع الحلفاء، ومواصلة التدريبات العسكرية، فضلا عن توافر الإرادة السياسية القوية لتحقيق ذلك.
عودة الروس
أوضح الباحثان، أنه في 15 أكتوبر الماضي، أرسلت البحرية الروسية حاملة الطائرات الوحيدة لديها إلى سواحل شرق المتوسط، المسماة بـ"الأميرال كوزنستوف"، ترافقها حاملة الطائرات السفينة الحربية "بيوتر فيليكي"، والسفينتان الكبيرتان المضادتان للغواصات "سفيرومورسك" و"فايس أميرال كولاكوف"، إلى جانب سفن دعم أخرى، في وقت أعلن فيه المسؤولون الروس للمرة الأولى عن هذه الخطة في الـ21 من سبتمبر المنصرم، وأشاروا إلى أنهم سيلجأون لضرب أهداف محددة في المناطق السورية. وأشار الباحثان إلى الأسباب الحقيقية لنشر السفن الحربية، إذ إنه علاوة على أنها ستسهل العمليات الروسية المدافعة عن نظام بشار الأسد، إلا أن نشرها يعطي زخما كبيرا ورسائل متعددة تفيد بأن النفوذ الروسي قد عاد إلى منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط، مشيرين إلى أن الرئيس الأميركي المقبل سيواجه منافسا من خارج المنطقة، ويمكنه أن يعقد حرية المناورة أو الملاحة التي تتمتع بها الولايات المتحدة في المنطقة، إلى حد لم يُر له مثيل منذ نهاية الحرب الباردة.
وأضافا "كنتيجة على ذلك، ستكون واشنطن بحاجة إلى نشر المزيد من القوات العسكرية في المنطقة من أجل تنفيذ المهام بنفسها، في وقت تكون فيه مناطق أخرى بحاجة إلى وجود عسكري أميركي أكبر، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة".
سياسة بوتين
أبان الباحثان أن ما يدور في خلد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دائما، هو أن الغرب يحاول تطويق روسيا بأي شكل والإطاحة به من السلطة، حيث إنه يعتقد أن الغرب يغير الأنظمة السياسية في جميع أنحاء العالم وقت ما يشاء، وتمثل هذا الشعور خلال العقدين الماضيين، إذ عمل بوتين على تعزيز قدرات بلاده العسكرية، وأقدم على تنفيذ العديد من التدخلات في الخارج، على غرار جورجيا التي غزاها في عام 2008، وأوكرانيا التي وصلت إليها قواته العسكرية في عام 2014، على الرغم من مكانتها كقوات نخبة، لافتين إلى أن التدخلات العسكرية الغربية التي أطاحت بنظام معمر القذافي في عام 2011، زادت هي الأخرى من جنون وارتياب بوتين.
بداية الوجود الروسي
أوضح الباحثان أن الحرب في سورية لم تفض إلا لتضخيم اعتقادات بوتين تجاه دول الغرب، في وقت عملت فيه الأخيرة على وقف عمليات نقل الأسلحة الروسية وإمدادها لنظام الأسد، على غرار بريطانيا التي ضغطت على شركات التأمين في عام 2012، لإيقاف سفينة كانت تحمل مروحيات من طراز "مي-25" كانت متجهة إلى سورية، ضمن إطار العقوبات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي في عام 2011 لمنع توريد الأسلحة للنظام السوري.
وفي ذلك الوقت، لم تكن روسيا قادرة على توفير حراسة مسلحة لضمان مرور السفينة بسبب افتقار المنطقة إلى وجود بحري مسلح، إلا أنه مع تطور أحدث النزاع في البلاد، عززت واشنطن من ضغوطها الدبلوماسية لتقويض دور روسيا العسكري المتنامي، خصوصا عقب إعلان موسكو في سبتمبر 2015، أنها ستطلق طائرات حربية من القواعد الروسية لدعم الأسد، وفاجأ حينها وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره الروسي سيرجي لافروف بالتحذير من توسيع العمليات العسكرية، الأمر الذي دفع بواشنطن إلى حث كل من بلغاريا واليونان، على إغلاق مجالاتهما الجوية أمام أية طائرة روسية متوجهة إلى سورية، وقد وافقت بلغاريا على ذلك.
تعاظم دور موسكو
أشار الباحثان إلى أن موسكو قد كثفت من تواجدها الإقليمي خلال الحرب السورية، من خلال نشر قواتها البحرية مسبقا في المنطقة، وتطوير علاقات عسكرية مع حكومات مختلفة، والإمساك بزمام المبادرة بشأن قضية الأسلحة الكيماوية، وبناء قواعد عمليات جديدة. وقد شكلت إعادة نشر أسطولها في البحر المتوسط خطوة رئيسية في هذه العملية، حيث وصلت السفن الأولى إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في عام 2013، مباشرة بعد إيقاف بريطانيا إرسال مروحيات "مي-25"، وبعد عامين فقط كان أسطولها البحري مكتملا.
وأضافا "إن بوتين قد ضمن دورا لجيشه ومجالا إضافيا للمناورة في المنطقة عبر التطوع للإشراف على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية للأسد في عام 2013، بالإضافة إلى أنه ضمن حقوق إرساء سفنه في موانئ قبرص، لتوفير دعم متكامل لحاملة طائراته "الأميرال كوزنستوف"، كما أنه رتّب أولى التدريبات البحرية المشتركة على الإطلاق بين روسيا ومصر، وأرسل سفنا للتوقف في ميناء الإسكندرية للمرة الثانية فقط منذ عام 1992، فضلا عن تجديده النفاذ البحري والمبيعات العسكرية إلى الجزائر".
ولفتا إلى أنه في منتصف هذا العام، كانت روسيا تقوم بشن هجمات جوية في سورية بواسطة قاذفات القنابل من طراز "تي يو22 إم3"، التي كانت تقلع من قاعدة همدان الجوية الإيرانية، وهو تقارب روسي إيراني غير مسبوق في المنطقة، الأمر الذي يدل على الوجود العسكري الروسي في المنطقة، وتحسن علاقتها مع كل من قبرص ومصر وإيران والجزائر، قد رسخ من الجذور الروسية على المدى البعيد، انطلاقا من ميناء طرطوس السوري، الذي يمثل مركز شبكة لوجستية يصل امتدادها إلى الإسكندرية وليماسول والجزائر العاصمة.
تقنيات الجيش
ألمح الباحثان، إلى أن بوتين بعد أن قام بإدخال تحسينات إلى الجيش الروسي، ساعد ذلك كثيرا في توسيع خياراته العسكرية في المنطقة، حيث إن قواته قد شنت ضربات جوية اعتراضية في سورية باستخدام صواريخ جوالة يتم إطلاقها من السفن والغواصات، وفرضت سيطرتها على المجال الجوي بواسطة أنظمة قوية مضادة للطيران "إس-300 و إس-400"، كما استخدمت منظومة الحرب الإلكترونية "كراسوخا-4" للتضليل على الطائرات الأميركية بدون طيار، مشيرين إلى أن التقنيات الروسية التي استخدمت في الحرب السورية تفوق بكثير من التي استخدمت في جورجيا وأوكرانيا مسبقا، الأمر الذي يعطي للجيش الروسي قوة كافية للحفاظ على وجوده العسكري في المنطقة.
وكان لاستحداث فقاعات دفاع جوي، تأثير إقليمي كبير، إذ سمحت لروسيا بتثبيت حريتها في المناورة بشكل فعّال وتعقيد أي استخدام مستقبلي للقوة الجوية الأميركية.
المنظومات الدفاعية
يذكر أن المنظومات الدفاعية المتنقلة لـ"أس-300" موجودة الآن في الجزائر ومصر وإيران تحت إشراف محلي، بينما تم نشر أحدث المنظومات الخفية المتنقلة "أس-400"، في شبه جزيرة القرم وسورية تحت سيطرة روسية، في حين كان نطاق هذه المنظومات وقدراتها المتنامية قد عزّز المخاطر بالنسبة للعمليات الجوية الأميركية في البحر الأسود، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وما يصل إلى 90% من منطقة الخليج العربي، ونتج عن فقاعات عدم الوصول من طراز "إيه 2 إيه دي"، عن إنشاء مناطق عازلة افتراضية على طول الحدود الروسية، من البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط، بحيث إنه هذه المقاربة تتماشى مع تاريخ روسيا طوال قرون، حينما شعر الكرملين أن التوسع الروسي يستلزم مناطق عازلة، وخلق دائرة ذات استدامة ذاتية، واأه كلما زاد عدد الأراضي التي تستحوذ عليها روسيا، زاد شعورها بعدم الأمان، وزاد سعيها إلى إنشاء مناطق عازلة أكثر.
رسالة للغرب
عقب الباحثان بالقول "إنه على الرغم من أن حاملة الطائرات الوحيدة "كوزنستوف"، التي أرسلها بوتين إلى السواحل الروسية، تعتبر متهالكة وقديمة، وبالكاد يمكنها مجاراة حاملات الطائرات الأميركية العشر الموضوعة في الخدمة، والتي تم إعدادها بشكل جيد لأي نزاع دولي منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن إرسالها كان بمثابة رسالة رمزية عسكرية، تفيد بأن الوجود والدعم العسكري بإمكانه الوصول إلى تلك المنطقة، تماما مثلما فعلت الولايات المتحدة خلال علمية "برق الأوديسا" التي أطلقها البنتاغون لضرب مواقع داعش في ليبيا"، مبينين أن سفينة حربية برمائية واحدة تحمل طائرات أقل من حاملة الطائرات الروسية، يمكنها أن توفر ميزة عسكرية مهمة في المنطقة.
وأضافا "إنه لدى الولايات المتحدة قوة متينة في المنطقة تفوق إلى حد كبير كل ما يمكن أن تستطيع روسيا حشده، ولا يحتاج صناع السياسة سوى للإرادة السياسية لاستخدامها بحزم أكبر"، مستشهدين باستخدام موسكو لـ42 طائرة مقاتلة وقاذفة قنابل ونحو 5 آلاف جندي في سورية، بالإضافة لأسطول حاملة الطائرات "كوزنستوف"، المتكون من حوالي 12 سفينة حربية، مقارنة بعدد سفن البحرية الأميركية الـ30 المتواجدة في منطقة الخليج وحده منذ عام 2014، ويمكن أن تزداد إلى 40 بحلول عام 2020، بالإضافة إلى حوالي 100 - 125 طائرة قتالية أميركية "أف-16" و "أف/أي-18" و أف-15إي" في أرجاء المنطقة، إلى جانب أسطول واحد على الأقل من المقاتلات المتقدمة من طراز "أف-22". ومن شأن هذا العدد أن يزداد إلى نحو 200 طائرة قادرة على شن هجمات لدى وصول حاملة طائرات إلى مسرح الحادث، كما يملك الحلفاء الإقليميون أكثر من 400 مقاتلة حربية حديثة أميركية الصنع خاصة بهم.
الاعتماد على الحلفاء
أشار الباحثان إلى أنه ليس ثمة حاجة لأن تكون روسيا متساوية مع أميركا على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، لكي تشكل تحديا حقيقيا للمصالح الغربية، لكن غياب الولايات المتحدة الأخير قد ساهم في مزيد من الوجود العسكري الروسي في سورية، وزاد من تعقيد المشهد بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، ناصحين واشنطن بأن ترمم مصالحها التي لا تزال كبيرة في منطقة بالغة الأهمية، وتعزز مبادراتها العسكرية والدبلوماسية من خلال إحياء العلاقات الراكدة، وطمأنة الحلفاء، والعمل بشكل حازم للحفاظ على أهميتها في الواقع الجديد.
ومن بين أهم الحلفاء الذين يجب أن تعتمد عليهم واشنطن، دول حلف شمال الأطلسي والسعودية ومصر، وذلك من خلال تحسين علاقاتها بهم باعتبارهم جهات فاعلة إقليمية، ومواصلة تدريبات الجيش الأميركي المتعددة التي يقوم بها معهم، بالإضافة إلى أنه يجب على البحرية الأميركية زيادة مجموعة المرافئ التي تزورها في شرق البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحيث إنه من خلال تلك الخطوات، ستظهر واشنطن لحلفائها أنها ملتزمة معهم في أية نزاعات بالمنطقة، في وقت يكون فيه تأثير بوتين محدودا خصوصا أنه سيستمر في اختبار الغرب، حتى يتم صده من قبلهم، وإذا لم تلعب واشنطن دورا أكثر نشاطا في الحفاظ على علاقاتها الإقليمية، سيواصل بوتين الحط من النفوذ الأميركي تدريجيا.