النفس تمرض كما يمرض الجسد، لكن صاحبنا يحذر أن يراه أحد في عيادة طبيب نفسي.. هذه في ظنه مثلبة ومدعاة لإسقاط أهليته أو مكانته اجتماعيا.. لكنه لا يتوانى مطلقا عن الذهاب لتجار الرقية بشجاعة تامة، علنا، وفي وضح النهار، ودون خجل أو محاذير اجتماعية!

ولا ألوم تجار الرقية حقيقة، بل الواجب شكرهم لأنهم يوفرون الوهم للكل، كلٌّ حسب حاجته النفسية، وكلٌّ حسب مقدرته المادية.. ناهيك أنهم يتحملون الفراغ الذي يشكله غياب الطبيب النفسي عن حياة الناس، وهو ما ينتج عنه تفاقم بعض الأمراض النفسية، فيصل الإنسان للطبيب النفسي متأخرا!

هممت بعمل استطلاع للرأي عن سر عزوف الناس عن الطب النفسي.. لكنني أدركت أنني سأوضح الواضحات.. فالسبب معلوم لدي.. نسبة كبيرة من الناس لا تذهب للطبيب النفسي للسبب الذي ذكرته في البداية، فالأمر ينطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب.. وتضع الشخصية والحالة العقلية مثار الشك للأسف.. اسأل نفسك أيها المتعلم -وأرجو أن تعذروني على طريقة طرح السؤال-: هل تزوّج ابنتك لشاب علمت أنه يراجع عيادة الطب النفسي؟!

قسم آخر من الناس -وهؤلاء يدفعون الثمن مضاعفا، من صحتهم ومن جيوبهم- سلكوا أقصر الطرق المأمونة التي تؤدي إلى تاجر رقية يبيع الماء والزيت بأسعار مضاعفة عشر مرات.. والمشكلة وإن كانت في الذين يصدقون تاجر الرقية.. إلا أن المشكلة الأكبر إن كان التاجر قد صدّق نفسه!

القطب الثالث من المسؤولية يتحمله الأطباء النفسيون أنفسهم.. وهذا خلاصة مقال اليوم.. تكونت -وقد قلت هذا سابقا- فجوة هائلة سحيقة بين الطب النفسي وبين الناس في مجتمعاتنا.. ابتعد الطبيب النفسي عن الناس فابتعد الناس عنه!

يفترض بالأطباء النفسيين -وهذا ما أرجوه بالفعل مع ثورة التواصل والاتصالات الحديثة- الخروج للناس، ومحاورتهم، ومشاركتهم وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل معهم، وفتح قنوات التواصل بينهم وبين المجتمع من حولهم.. بعض الأطباء النفسيين الموجودين في "تويتر" ملؤوا حساباتهم بقضايا جدلية بعيدة عن اختصاصاتهم..!

يقول أحدهم: دخلت حساب طبيب نفسي في "تويتر" لعلي أجد في تغريداته نصائح طبية ومعلومات عن الطب النفسي، فوجدته يجادل الناس عن "السيسي وإردوغان"!