بالنسبة لنا نحن المقيمين في دول أوروبية، فإن النقاش حول ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج العربي يبدو نكتة، فنحن الذين نعيش في بلدان الشمال نعرف أن الإنسان المواطن أو المقيم في هذه الدول لا يفعل شيئاً في حياته سوى دفع الضرائب، وهناك ضريبة على كل شيء وفي كل مكان، ومحاولة التملص منها هي كبرى الكبائر، وهي الهدف الأكبر للأجهزة القضائية والأمنية.

ومع إعلان وزراء مالية دول الخليج العربي عن الاتفاق على إقرار ضريبة القيمة المضافة في دول المجلس بدأ نقاش وتعليقات متعددة المستويات، كثير منها يحمل اعتراضاً صريحاً أو ضمنياً على فرض هذا النوع من الضريبة في دول مجلس التعاون الخليجي.

بالطبع هذه الاعتراضات ـ إن صحت تسميتها اعتراضات ـ هي أقرب إلى تعليقات حول أمر غير واضح وغير مفهوم للناس بعد، وسيدخل في نطاق الاعتياد بعد فترة قصيرة من الزمن، خصوصاً أن الضريبة التي سيتم فرضها هي من أخفض الضرائب في العالم، ونسبة الخمسة بالمئة أو الثلاثة بالمئة هي النكتة بالنسبة لنا نحن المقيمين في دول أوروبية، فهي عملياً نوع من أنواع الإعفاء الضريبي إذا ما قورنت بنسب الضرائب التي ندفعها على الدخل وعلى السلع والخدمات وعلى الهواء الذي نتنفسه، وهذه النسبة تجعل من دول الخليج جنّات ضريبية قادمة.

وسريعاً جداً سيدرك المواطن الخليجي أن هذه الضريبة البسيطة والتي لن يشعر بها ولن تؤثر على حياته اليومية بشكل واضح، سيكون لها أثر كبير على اقتصاديات دول الخليج، وستأتي بعوائد لخزينة هذه الدول تعوض انخفاض أسعار النفط، وتعيد للدولة قدرتها على القيام بمشاريع تنموية وتحريك عجلة الاقتصاد، فالدراسات التي أجرتها المؤسسات المالية تقول إن فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة خمسة بالمئة على السلع والخدمات ستشكل نسبة اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ونسبة ثلاثة ونصف بالمئة من الناتج المحلي غير النفطي، وإن الإمارات العربية المتحدة وحدها ستحصل على 12 مليار درهم كعائدات من ضريبة القيمة المضافة.

وحين أقول لن يشعر بها المواطن الخليجي ولن تؤثر في حياته اليومية، فهذا ليس فقط بالمقارنة مع ضرائبنا نحن "الغربيين" بل لأن هذه الضريبة لن تفرض على السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن والمقيم لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فالضريبة بالنهاية ليست فقط طريقة لتأمين موارد لخزائن الدول ومالياتها، بل هي وسيلة لإدارة الاقتصاد بطريقة أكثر عدالة، حيث تفرض ضرائب منخفضة على سلع تمس شرائح واسعة، بينما تعفى تماماً سلع أخرى أكثر ضرورة، وتفرض ضرائب أعلى على سلع لا يحبذ استهلاكها لضررها (مثل التبغ مثلاً)، أو لأن استهلاكها يعتبر إسرافاً مثل كثير من السلع الباذخة، وتستطيع الضريبة أيضاً أن توجه الاستثمارات إلى القطاعات المطلوبة أكثر لتنمية الاقتصاد، فمثلاً لو أرادت دولة ما تنشيط قطاع السكن فيها، فهي تفرض ضرائب أقل على السلع والخدمات المتعلقة بالبناء، فيتجه المستثمرون تلقائياً إلى هذه القطاعات لأنها تصبح أكثر جدوى وربحية وتنافسية، وبالعكس حين تريد دولة ما أن تخفض من افتتاح المقاهي والمطاعم فإن رفع الضريبة بنسبة بسيطة سيكون كافياً لعزوف المستثمرين عن افتتاح مقاه جديدة. ومبدئياً اتفقت دول الخليج الست على استثناء الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية وقرابة 94 سلعة غذائية من ضريبة القيمة المضافة عند تطبيقها، مما يعني أن تأثير الضريبة على المواطنين قد تم أخذه في الاعتبار منذ اللحظة الأولى لإقرار الضريبة.

لقد استطاع النفط أن يأتي بعوائد خلال العقود الماضية كانت كافية لبناء أفضل بنية تحتية في العالم، وإقامة المشاريع الكبرى، وتعليم أجيال من المواطنين الخليجيين، وبناء مؤسسات اقتصادية يفترض أنها صارت قوية ومتينة لدرجة كافية تجعلها وتجعل المواطنين قادرين على العيش مثل باقي شعوب العالم، والاعتماد على أنفسهم وجهودهم وقطف ثمرة عملهم، والمساهمة في تطور بلدانهم.

في كل بلدان الخليج هناك معدل أجور مرتفع، وهناك طرق وجسور ومبان ومحطات كهرباء وتحلية مياه، ومدارس وجامعات ومستشفيات، وهناك فرص عمل ونمو متواصل، وقد ساهم النفط في التأسيس لكل ذلك، وقد آن الوقت لتتحول هذه الإنجازات إلى مجالات استثمار وعمل قادرة على السير بمفردها دون الحاجة إلى رفدها بالعائدات النفطية على الدوام.