يعوّل الرئيس الأميريكي باراك أوباما على حل سياسي في سوريا. يرى فيه ضوءاً يُبدد حِلكة المأساة الإنسانية، ويحث مستشاريه للأمن القومي، في اجتماع عُقد الجمعة الماضية، على التفكير في سبل "واقعية" تُخرج المدنيين من جحيمهم الممتد منذ أكثر من 5 سنوات.

كان على الطاولة خيارات عدة، من بينها التدخل العسكري الذي ارتأى أوباما أن يُنحيه جانباً منذ صيف 2013، لا بل إنه "شعر بالفخر" حين اتخذ قرار استبعاده من سلة الحلول، كما جاء في مقابلة مجلة أتلانتك الشهيرة في مارس من العام الجاري، ويبدو التلويح به الآن بلا معنى خاصةً في ظل كفة تميلُ لصالح "الاحتلال" الروسي، وتُظهر هشاشة السياسة الانكفائية التي وسمت الإدارة الأميريكية بميسمها، وراحت تُفقِد البيت الأبيض كثيراً من أوراق التأثير، ليس في الموضوع السوري فحسب، بل في علاقات واشنطن ببعض حلفائها في المنطقة.

القول الأميركي بالحل السياسي يعني ضمناً إيصال رسائل في اتجاهات مختلفة، تتفق في الظاهر على جدوى طاولة المفاوضات، والبرامج الانتقالية، ولا تتحدث بجدية كافية عن مسؤولية النظام والمليشيات العابرة للحدود فيما آلت إليه سوريا وإنسانها؛ حتى إن طهران، وهي حليف النظام السوري ورأس حربته الطائفية، تطل علينا بين فترة وأخرى، بعد كل جولةٍ في حربها على المدن السوريّة، بتصريحات تؤكد انسداد الأفق أمام أي بديلٍ جدي لإنهاء الصراع سوى "الحل السياسي" الذي يترجمه المعجم الإيراني الرسميّ ببقاء الأسد واستمرار سيادة عصبته الحاكمة على الشعب السوري لأجلٍ غير مُسمى.

إيران الرسميّة، التي ألقت بأقوى أوراقها في المأساة المتوالية الفصول، لم تأتِ إلى الساحة السوريّة لتذهب عند أول مُقترح أو دعوة للحل السلمي. فهي مسكونة بهوس السيطرة على عواصم عربية، تتحرك في ما تعتبره "مجالها الحيوي" الذي يتغذى على خلفية المُشترك الطائفي والأحلام التوسعيّة، ولم يعد من المهم أن يرافق ذلك شعارات يعرف مبتدعوها، قبل سواهم، أن مظلوميتها أكل الدهرعليها وشرِب، ولم يعد لها من دور سوى تكريس اللغو وإقامة المتاحف له. إذ "الاستكبار العالمي"، بلغةِ الثلاث عشرة سنة التي تلت غزو العراق، أضاف إلى السردية الباكية على أمجاد الماضي جرعات طائفيّة تستحيل السياسة معها انتقاماً، والحوار مقدمةً لانقضاض وشيك. كما أن شيئاً من الماضي، الذي لا يمضي، قد يشرح الموقف الروسي من التراجيديا السورية ودعوات الحل "المُبتغى"؛ إذ تصير دمشق بوابة العودة إلى ساحةٍ كانت موسكو أُجبرت على إخلائها لـ"النظام الدولي الجديد" الذي رُسمت ملامحه بفرشاةٍ أميريكية الهوى ما برحت تجتهد في إكساب الفوضى صفات تُجمِّلها وتطلقها في فضاء "الذي لا بد منه"، كأنما قدر بعض المنطقة العربية أن يكون رقعةً لأحجار المتنافسين على حلولها بعد أن تملَ القذائف من ممارسة هوايتها على رؤوس الأبرياء.

المضحك أن موسكو، التي شمرت عن ساعدي قواتها الجويّة لتغرق مدنيي سوريا في الظلام والجوع، لضمان بقاء الأسد في سدة الرئاسة والحفاظ على وجودها العسكري الممهد لموطئ قدم دائم في المنطقة، تريد أيضاً حلاً سياسياً. ولا أدري كيف سيتحقق ذلك مع رفض المعارضة السورية ومجموعة أصدقاء سوريا أي مستقبل للأسد ومعاونيه بعد أن يضع مخطط الإبادة أوزاره.

يصح، والحال هذه، القول أن الحلول السياسية التي تقترح تخلي الأسد عن السلطة ليس مما يُعتد بها إيرانياً وروسياً ناهيك عن جوقة "الأسد للأبد" التي ترى في قائدها حلاً لا مشكلة؛ وهو ما يعني صدامًا واضحاً مع ما أبدته اللجنة السورية العُليا للمفاوضات في سبتمبر الماضي، التي أعلنت خطتها الرامية لطي صفحة الدم، والمتضمنة 6 أشهر من المفاوضات بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة مع التزام بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين، يعقب ذلك تشكيل حكومة مؤقتة لا يكون للأسد و"أدواته" التي اقترفت الفظائع وجود فيها، وصولاً إلى اجراء انتخابات عامة تحت اشراف الأمم المتحدة. خطةٌ كهذه رأى فيها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير "اختباراً لنوايا الأسد وحلفائه"، ورمت الكرة في ملعب المنادين برؤية سياسية بعيداً عن أهوال البراميل المتفجرة، وعبث الأمم المتحدة ومبعوثها.

المُلاحظ أن الحل السياسي، من حيث المبدأ، لا خلاف عليه، بينما التفاصيل التي تتجاهل في أولويتها رحيل الأسد، أوتحاول تتويج دمويته بإدخالها شريكًا في غدِ سوريا، هي مما يرقى إلى إعلان حرب أخرى قوامها سؤال البداهة المتألمة: أبعد كل هذا يبقى الأسد؟