سأبوح لكم بسرّ من أسرار النشأة في حي تختلط فيه أجناس عربية من بائع البقالة والخباز وعامل النظافة ومعلمة المدرسة وأصدقاء وصديقات الحارة.
السر هو أنك لا تجد فرصة أبدا لتكون عنصريا، وتتمكن التصنيفات البغيضة من نفسك، لكنك ستنشأ عربي الهوية والولاء والانتماء من أناشيد الصغار التي تنسج بشامية فلسطينية للبيوت التي كانت تبنى على الطريقة العربية، بل حتى الطبخات التي تذوقناها للمرة الأولى من أمهات الصديقات، رائحة تسبق المذاق، فلم نحتج لأن يعلمنا أحد معنى حب الوطن الممتد بلا حدود، ولا أن يحذرنا من التصنيف أو يخالجنا خوف من النبذ والإقصاء.
يعيش إنسان اليوم معاناة خطيرة تجعله من جانب يحمل إرثه الخاص الذي يمثل قبيلة أو جماعة أو جغرافيا، كعرب الشمال وعرب جنوب، ويتحول إلى وحدة واحدة تشعر بالغربة عن غيرها المحيط بها في كل مكان، وتنحاز لجغرافيا أرض أو لجدّ لا تعرف إلا اسمه، ولا يستطيع هذا المتخيل نصرها، خاصة حين لم يعد للقبيلة ديارها، كما لم يعد للجغرافيا حدودها في زمن يصدق فيه سؤال القذافي المندهش: من أنتم؟
عادة في مناهج التعليم يتم التعامل مع الأهداف التي تمثل سياسات البلد حتى نصل إلى سياسات المادة، وفي التعليم أيضا ومع مرور السنوات وتطور المواقف تستجد الحاجة لتعليم مواد جديدة تتوافق مع ما يطرأ على الحياة، كالحاجة إلى تعزيز قيم أو تعليم مهارات جديدة، ولعل أبسط مثال على الأولى قيم المواطنة، وعلى الثانية تعليم الحاسب كمثال.
في تعليم الحاسب مواكبة لمهارة أصبحت ضرورة تحكم الحياة في مختلف مجالاتها، ولو تجاهلناها لحدثت فجوة وخلل تشبه كثيرا ما يحدث من تعامل بعض الجهات مع التقنية، كوزارة التعليم التي لم تستفد كثيرا من التحول إلى التقنية، ولم تستغن عن الورق بل أصبحت التقنية توثق بأطنان من الأوراق يوميا تتلف أثناء اليوم أو بعد نهاية العام على الأكثر!
ومشكلة التقنية أيضا ظهرت في ملايين أنفقت على مواقع إلكترونية لبعض الدوائر الحكومية التي لا تستحق حتى بضعة آلاف!
ولا شك أن كلا منا تعامل مع عبارة النظام "السستم" عطلان ، وهي عبارة تستحق أن تكون شعارا لمصرف شهير، الغريب أن النظام أحيانا يكون متعطلا في هذا المصرف عن ذوات الأرصدة القليلة من المراجعات، عاملا بإخلاص مع ذوات الأرصدة الكبيرة، كما رأيت أكثر من مرة ولله في خلقه شؤون!
المهم أن موضوعا كالتقنية يمثل حلا عبقريا حقق لنا الكثير في أنظمة أمنية كأنظمة المرور ونظام أبشر مثلا، ما يزال في جهات أخرى بحاجة إلى تقييم وتطوير.
أعود إلى قيم المواطنة التي لأجلها يتم تعليم مادة الوطنية التي تبدو سهلة جدا إلا حين نحاول توصيفها، فهي شعور وانتماء وليست معرفة قابلة للحفظ والتلقين؛ فمادة الوطنية برأيي في هذه المرحلة من أهم المواد التي تحتاج للمراجعة ولقياس خاص، يختبر مدى جدواها بأسئلة بسيطة تدرج كاختبار مفاجئ مثلا، أو تلقى خلال زيارة أحد مشرفي التعليم ومشرفاته.
لنتأكد أن هذا الشاب أو الطفل ينمو بشكل سوي نفسيا، وبلا عقد تجعله فريسة لأفكار الأعداء.
برنامج فطن رسالة أخرى عبرت من خلال سوء فهم كبير، ففسرت من قبل البعض على أنها سلوكيات ومظهر المسلمة من حجاب وخلافه، بينما هي في الأساس لتنمية الوعي بما هو خلل فكري يقود الشباب ليصبحوا لقمة سائغة لأعداء الوطن، فيتحولوا إلى قنابل موقوتة!
ليست الفتاة بحاجة إلى برنامج فطن ليخبرها بالحجاب الشرعي، بل هي بحاجة لأن تعي كيف تتصرف بشكل واع مع من يدعوها إلى فكرة معادية لقيمها أو وطنها.
الخلاصة، أن الحماس للتغيير ووضع أهدافه ملموسة ومطلوبة، ولكن التغذية الراجعة مطلوبة أيضا لتقييم محاولات التطوير، خاصة في المناهج التي تبني الإنسان السوي الفاعل منذ نعومة أظافره.
ولنا في تجارب العالم التي تعرض علينا صباح مساء أسوة حسنة في صناعة الإنسان الفاعل.