يريد أن يقول ما لديه ولكنه لا يستطيع، إنه قزم، وحشود العمالقة تحيط به منذ أبصر الحياة، بل لنقل منذ أبصر سيقانهم. نبتة صغيرة تحتضر في غابة تتسابق أشجارها نحو الشمس، يعيش في الظل، سيموت في الظل.
قناعته بما يريد قوله تغذي رغبته في التحدث إليهم وطرح أفكاره عليهم فيبحث كل يوم عن طريقة جديدة تمكنه من لفت انتباههم؛ كوّر كفيّه حول فمه وصرخ لهم عالياً، حاول تسلق سيقانهم الأمازونية، لكزهم في أقدامهم وأصابعهم الدينصورية. ولكن ذلك كله لم يعد عليه بفائدة. أجسادهم فارعة وتمتد نحو الفضاء البعيد وهو بحجم قملة، من سيسمع قملة؟ من سيدرك قملة؟
في يومٍ لن ينساه، انفرجت الحشود عن دميمٍ أعور يمشي بسلطةٍ مهيبة بين الجموع. شق طريقه بجلالٍ بينهم وسار بتؤدةٍ إليه، انحنى له مبتسماً وحمله على عاتقه ثم وضعه على منصة عالية موازية لرؤوس العمالقة. سُرَّ القزم يومها، لم يفكر في سببٍ محدد يجعل الأعور يفعل ذلك، ظل يهجس في سعادته حتى أن الحشود اللامتناهية لم تصدمه حين رآها تسد الآفاق.
استوى واقفاً على المنصة -رغم أنهم لا يدركون الفرق بين وقوفه وجلوسه- فخيّم الصمت عميقاً في نفوس العمالقة منتظرين ما سيقوله. لم يمهل نفسه يومها، منذ ذلك اليوم وحتى اليوم وهو يتغزل في الوجه الدميم ونَسيَّ ما أراد قوله عندما كان بين السيقان.