حسنا أكدت هيئة كبار العلماء في بيانها الأخير بخصوص التكفير، أن "التكفير مسألة خطيرة لما يترتب عليه من استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح".

وأكدت أن "تكفير الحكام والحكومات أعظم ضررا من تكفير غيرهم، لما يترتب عليه من تحريض عليهم وحمل السلاح وإشاعة الفوضى وسفك الدماء وفساد العباد.

وأن التكفير ليس بيد البشر، وأن مرده إلى الله ورسوله مثل التحليل والتحريم، وليس من حق أحد أن يكفّر الناس على هواه"، مشددةً على أن بعض الأعمال التي توصف بالكفر لا تعني الكفر المخرج من الملة، إلى جانب أن التكفير يدرأ بالشبهة مثل الحدود، ويحتاج إلى أدلة واضحة من الكتاب والسنة.

وأشارت الهيئة إلى أن الحكم بالكفر على الشخص كي يستقيم يحتاج إلى أسباب تنتفي موانعها، فينطق المسلم بكلمة كفرية في لحظة غضب أو فرح.

"التكفير ليس بيد البشر، وأن مرده إلى الله ورسوله مثل التحليل والتحريم". هذه الجملة يجب إدخالها في المناهج التعليمية ففيها كل المطلوب.

لكن الجملة التي بعدها حمّالة أوجه، فهي تقول "ليس من حق أحد أن يكفر الناس على هواه"، وهذا يعني أنه يمكن للبشر أن يكفّروا لكن ليس على هواهم، وهذا إضافة إلى أنه شراكة في حق الله تعالى لا تجوز للبشر، فهناك مقياس يصعب ضبطه وهو الهوى.

وأعتقد أنه كي يكون الحق خالصا لله تعالى، كما ورد في بيان الهيئة، فيجب ألا يكون للبشر فيه نصيب مطلقا بهوى أو بدون هوى، ذلك لأنه يترتب على التكفير، كما ورد في البيان "استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح".

حين يشهد إنسان أنه "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، فلا يحق أبدا لأحد أن يكفره أو يحكم بردته.

فالتكفير والقول بردة المسلم غايتهما واحدة، استحلال دمه. وهو ما نراه الآن شائعا في التنظيمات الإسلامية المتطرفة، فهم يقتلون الآخرين لأنهم في نظرهم كفار، إما أصليون وإما مرتدون، ويكفّرون الدولة والحكام أي يستحلون دماءهم، فالقول بتكفير شخص هو الخطوة القانونية في نظر صاحبها، لاستحلال دم هذا الشخص.

القتل يحصل لأسباب كثيرة: السطو، العراك، الثأر، وهذا يمكن للقانون والنظام والدين التعامل معه، لكن حين يتم استحلال الدم باسم التكفير فهنا لا ضابط له، لسبب بسيط هو أنه حق خالص لله وليس للبشر، وبه يغدو الأمر فوضى كما هو حاصل الآن، حتى داخل الأسرة الواحدة.

إن الآيات القرآنية الكريمة التي توضح حرية التدين، وأن التكفير ليس للبشر؛ تتراكم حولها تفاسير بشرية حتى تحجبها.

لنأخذ مثلا هذه الآية من سورة البقرة: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم". فالمفسرون يقولون، إن هذا يتعلق بالدخول في الإسلام ابتداء فلا إكراه عليه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أما من دخل في الإسلام وارتد أو حكم عليه بأنه مرتد "كافر" فالآية لا تتعلق به، وهو ما تطبقه التنظيمات الإرهابية.

يقول ابن كثير: "وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل".

في التراث الديني كثير من الآراء ترى وجوب قتال الكافر حتى يسلم، وأن الأمر بالقتال في سورة التوبة ينسخ كل الآيات التي تحمل مبدأ حرية الاعتقاد.

الآن المسلم يقتل المسلم لأنه صار عنده كافرا أو مرتدا!

إعطاء حق التكفير للبشر هو تطاول على الله تعالى، تنتج عنه الفوضى وسفك الدماء وفساد البلاد والعباد. هل نحتاج أمثلة؟!

التطبيقات العملية لبعض الآراء كارثة، لكن الأكثر كارثية هو بقاء هذه الآراء دون نقد.