أظهرت تقارير الأمم المتحدة أن منطقة تهامة اليمن تعاني على وجه الخصوص من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، على الرغم من بُعدها نسبياً من مناطق الحرب، وعلى الرغم من أنها تطل على البحر الأحمر، وبها أهم موانئ اليمن، مثل الحديدة والمخا وغيرهما، وبالتالي فإن المساعدات الإنسانية يمكن أن تتوفر على نحو أفضل مما هو عليه الوضع في المناطق الداخلية.
ولكن ميليشيات الحوثي وصالح دأبت على حرمان منطقة تهامة من البرامج الحكومية، والمساعدات الخارجية، مع أن معظمها يصل عن طريق ميناء الحديدة، فانتشرت في المنطقة الأمراض ونقص التغذية وأخيراً الكوليرا.
فما هي الأسباب التي تجعل منطقة تهامة عرضة لهذا الإهمال من قبل الحوثيين وصالح؟
يقول الخبراء إن الأسباب معقدة، تعود إلى أسباب تاريخية ودينية وثقافية، ولكن خلاصتها أن الحوثيين وصالح ما زالوا ينظرون إلى تهامة بمنظار أئمة صنعاء. وهي نظرة شك وانتقام من جهة، ومن جهة أخرى نظرة استعلاء تجاه تهامة وأهلها، الذين تعتبرهم صنعاء مواطنون من درجة ثانية، أقل أهمية وقدراً من سكان الجبال في صعدة وعمران ومران ونحوها. كما أن خضوع هذه المناطق لسلطة صنعاء يعود إلى فترة قريبة، حيث تم ضمها إلى اليمن في عام 1927، بدعم خارجي، خاصة من إيطاليا التي كانت تسيطر على الساحل الغربي من البحر الأحمر في إريتريا والصومال. ومما أصّل هذه المعاملة الفوقية الاختلاف الواضح بين أهل تهامة وأهل الجبال من الناحية الدينية والتركيبة السكانية والتاريخ والتراث.
ولهذه الأسباب، لا يعتبر الحوثيون وصالح أهل تهامة مساوين لهم سياسياً أو ثقافياً، ويعطون الأولوية في المساعدات للمناطق الأخرى الأقرب إليهم سياسياً وثقافياً ودينياً.
ومع ذلك فإن لتهامة تاريخاً عريقاً وتراثاً كبيراً يعود إلى آلاف السنين، وبسبب إطلالتها على البحر الأحمر ومواردها الطبيعية، فقد ذكرها علماء اليونان وعلماء العرب والمسلمين كمنطقة خصبة ثرية، مهمة جيوستراتيجيا واقتصادياً وثقافياً. فمن الناحية الاستراتيجية تشرف تهامة على باب المندب الذي يمر منه جزء كبير من التجارة الدولية، وتمثل البوابة الجنوبية الغربية للجزيرة العربية. ولهذا تعرضت للكثير من الحملات العسكرية على مدى التاريخ لإخضاعها واستغلال موقعها الاستراتيجي. فكانت هناك حملات يونانية ورومانية وفارسية وحبشية، وحملات تركية (عثمانية) وبريطانية وإيطالية وغيرها في العصر الحديث. وكان آخر تلك الحملات حرب الإمام يحيى حميد الدين على تهامة في عام 1927 التي تم بعدها ضم تهامة إلى حكمه. ومع ذلك تمتعت تهامة اليمن بالاستقلال خلال فترات تاريخية طويلة، حيث قامت على سبيل المثال الدولة الزيادية المستقلة ثم الدولة النجاحية، والدولة الرسولية، واستمر ذلك إلى العصر الحديث حيث كان لتهامة استقلالها وعلمها ونظامها السياسي والقضائي وأسطولها الحربي، وموانئها المزدهرة، فبالإضافة إلى الحديدة والمخا كان ميناء ابن عباس والصليف مزدهرين لفترات طويلة. وكانت مدينة (زبيد) التهامية مركزاً سياسياً وثقافياً ودينياً مهماً، واشتهر بها كثير من علماء الشريعة واللغة العربية والتاريخ والفلك والرياضيات والفلاحة والطب والصيدلة وغيرها. كما كان ميناء المخا فترة من الوقت أهم ميناء لتصدير البنّ اليمني إلى العالم.
نجح الإمام يحيى في إخضاع تهامة لحكمه مستخدماً الفروق المذهبية بين تهامة والمناطق الجبلية، واستخدم التكفير والاستعلاء الطائفي ومبدأ الحق الإلهي في الحكم، وادعاء النسب الهاشمي. واستعان الإمام في أوقات مختلفة بالقوات التركية والإيطالية والبريطانية وغيرها لإخضاع منطقة تهامة إلى أن نجح في ذلك.
وبعد ضم تهامة إلى حكم صنعاء، أصبحت العلاقة في اتجاه واحد، حيث استباح نظام الإمام خيرات تهامة ولكنه جردها من أي تمثيل سياسي. واستمر ذلك تحت حكم علي عبدالله صالح، فلم يكن لتهامة تمثيل يُذكر في القيادات العسكرية أو المدنية، أو في مجلس القضاء، أو رئاسة مجلس النواب، وكان تمثيلهم ضعيفاً في مجلس الوزراء وقوات الأمن، حتى في المناصب السياسية في حواضر تهامة مثل الحديدة.
واستمر هذا الأسلوب في التعامل مع تهامة إلى وقتنا الحاضر، خاصة بعد أن أعلن أهل تهامة مراراً رفضهم للانقلاب الحوثي ولعودة علي عبدالله صالح للمشهد اليمني. فكان تعامل قوات الأمن عنيفاً بشكل خاص مع محاولات أهل تهامة التعبير عن المظالم السياسية والاقتصادية التي تعرضوا لها، والمطالبة بحقوقهم في المشاركة في السلطة والثروة، حيث تم التعامل مع حراك أهل تهامة بالعنف المفرط من قبل الميليشيات الحوثية، كما كان يفعل صالح إبان فترة حكمه حين كان يستنفر قوات الأمن والجيش والبحرية لإخضاعهم وتدمير مصادر رزقهم، بالإضافة إلى حملات الاعتقال والتنكيل والقتل.
تمثل تهامة باختصار أزمة اليمن في جميع مظاهرها، وتوضح على وجه الخصوص عدم قدرة الحوثيين على التعامل مع المواطن اليمني إلا من منظورهم الطائفي والمناطقي الضيق، القائم على خرافات الاستعلاء والفوقية التي تعود لعصور الظلام والجهل.