في مطلع عام 1870 نشر السياسي ورجل الأعمال الأميركي "تايلور بارنوم" نظريته حول العلاقات العامة، والتي يمكن اختصارها في أنه "لا يوجد ما يسمى شهرة سيئة"، وهو يتحدث عن الشهرة في سياق مادي وحسب، وقال "لطالما أن الدعاية أو المنشور يتواجد على لائحات الأكثر مبيعا أو الأكثر مشاهدة فأنت قد نجحت في تسويقك لنفسك أو عملك". اتفق مع "بارنوم" كثير من السياسيين والمؤثرين أمثال "نعوم تشومسكي" و"إدوارد بيرناي" في هذا التوجّه حتى شكلت هذه النظرية إشكالا ثقافيا في الغرب، مطلع القرن العشرين، خصوصا في مجال الإعلام والعلاقات العامة.

لكن طرح المهتمون أفكارا مضادة وناقدة لهذا الرأي تدعو في مجملها إلى التركيز على الفائدة المعرفية والتثقيف، ورغم ذلك فإنه من الصعب القول إن الإعلام العالمي طاهر من "قاذورات" المصالح الاقتصادية والسياسية التي يتم تسويقها عن طريق الأشخاص أو المنتجات الأكثر شهرة. بيد أن المسوّق ذا النية الحسنة هو الذي يضع النفع أحد أولويات عمله مع اعتبار العلاقات والاتصال عمليات يتبادل فيها كلا الطرفين المصلحة، ولكن هل هذا النوع من الدعاية سيعود بالربح الوفير؟ السؤال هنا، طالما أن هناك مواد إعلامية تصب في منفعة جهات معينة ومواد أخرى لا تهدف سوى إقناع المشاهد بحقائق قد تغيب عنه؛ كيف يمكننا التفريق بين الدعاية التجارية والدعاية المعرفية؟

الدعاية المالية تتلاعب بسلوكيات الناس وممارساتهم اليومية بهدف نفع ناشرها، حيث ترتبط بأصحاب النفوذ والمال إضافة إلى اعتمادها على سرديات غير حقيقية. بينما الدعاية المعرفية الإقناعية تتعامل مع العميل كشريك وليس زبونا، تترك له حرية الاختيار تخاطب العقل وليس العاطفة، إضافة إلى أن صاحب الدعاية المعرفة يكون غالبا مؤهلا ومتعلما وذا خبرة كما أن العمل الذي يقدمه يعتمد على خلفية بحثية وليس "عالبركة" كما هو الحال في الإعلام الذي يضع المال أول أولوياته.

وفي السعودية، علينا الاعتراف، بأنه خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، فإن إعلامنا المحلي يضم أشخاصا ليس لهم أي دور في عملية تثقيف عامة الناس أو ترسيخ هويتهم إلا أنهم يحظون بشهرة كبيرة جداً، يخاطبون عاطفة الناس، ينشرون خرافات وخزعبلات، وهذه الشهرة التي حظوا بها جيدة بالنسبة لهم، وبالنسبة للشركات التي يسوّقون منتجاتها، ولكن عواقبها على الناس ومستقبلهم الثقافي لا تبشر بالخير أبداً. باختصار، بلى هناك شهرة سيئة يراها أولئك الذين لا يضعون المال الدافع الوحيد من وراء تواصلهم مع الجماهير.