بالنقل الحرفي وعن الزميلة صحيفة مكة سأسرد ما بين القوسين اقتباس ما يلي: (طالبت وزارة التعليم بتحصين الطلاب والطالبات من تيارات تهدد أمنهم الفكري عبر مشروع "حصانة" للتوعية الفكرية، ومن أبرز تلك التيارات المذاهب الفكرية المعاصرة مثل التغريبية/ الإلحادية/ الليبرالية/ العلمانية، ووفق معلومات حصلت عليها "مكة" فإن دليل حصانة يهدف إلى ترسيخ القيم الوطنية ومعالجة الأفكار المتطرفة والمبادئ الهدامة". انتهى. سأعلق وأجري على الله بما يلي: أولاً، فمثل هذه المشاريع المهترئة، من حصانة إلى فطن، ومن تبيان إلى توعية، ليست بأكثر من تكريس ممنهج لأن تكون مدارسنا ساحات صراع ومبارزة ما بين المدارس والمذاهب والأفكار، وكأننا للأسف الشديد لم نستوعب تجربة أربعة عقود من اختطاف المدرسة من وظيفتها الطبيعية كصرح تعليم، من أجل التعليم ولوحده. ثانياً، من هو الذي أقنع الوزارة العتيدة بهذه الأوهام الخيالية عن انتشار هذه المصطلحات الكبرى في التغريب والإلحاد والليبرالية والعلمنة في مدارسنا ومن ثم سريان تأثيرها على جسد طلابي تقول عنه إحصائيات امتحان "قياس" إنه لا يحصد في الجانب اللغوي اللفظي في المعدل المتوسط سوى 69 %. من هو طالب الابتدائية الذي ابتدأ بالشكوك رحلة مرض الإلحاد؟ ومن هو طالب المتوسطة الذي يفقه ولو حرفاً من مصطلح التغريب؟ وأيضاً من هو طالب الثانوية الذي بدأ تفكيك مصطلحات الليبرالية والعلمنة؟ سأقولها بكل وضوح وصراحة: مثل هذه البرامج المشبوهة تحت العنوان البراق للحصانة والتوعية إنما تستخدم مثل هذه المصطلحات الكبرى من أجل التخويف كي تعود إلى مدارسنا من الباب الرسمي المفتوح لاختطاف أطفالنا وأولادنا إلى بؤر الإرهاب والتطرف. ولكي أقطع دابر سوء الفهم، فأنا هنا لا أنفي وجود الليبرالية وكل أخواتها في مجتمعنا ولكنني أود القول إنها ظواهر فكرية لا تحدث للأفراد إلا في مرحلة لاحقة ما بعد التعليم العام وبعد مشوار تحليلي متعمق من القراءات والأدبيات المكثفة.
الوزارة العتيدة بمثل هذه البرامج تعاملت مع الخطر التلقائي في مدارسنا على طريقة (وين إذنك يا حبشي)، صرفت وستصرف هذه الملايين على مثل هذه البرامج بينما كان في استطاعتها أن تذهب في مشوار قصير جداً إلى وزارة الداخلية لتسألها بعضاً من هذه الأسئلة: ما هي المرجعية الفكرية والمذهبية التي انتمى إليها عشرات الشباب الواردة أسماؤهم في القوائم الأمنية المتتالية؟ هل من قام بتفجير المباني والمساجد ومقرات الدولة العامة والأمنية كانوا تحت تأثير الليبرالية المريضة الممقوتة أم تحت تأثير غسيل الدماغ لما يعرفه أطرف شخص أمي في الشارع؟ ما هو السن العمري الذي ابتدأ فيه هؤلاء المراهقون اليانعون رحلتهم مع التطرف والإرهاب؟ وأين كانوا ليلة الغراس الأولى لهذه البذرة العقلية؟ ماذا تقول إضبارات التحقيق مع هؤلاء الضحايا المختطفين في أغلى ما لديهم في نعمة العقل؟ ومن هو الذي شحنهم بهذه الأفكار وأين وكيف ومتى؟ هل نجحت محاولة تفجير مبنى وزارة الداخلية من قبل أفراد تأثروا بجوستاف لوبون أم بكتب الظواهري والمقدسي وفارس بن شويل وسيد قطب؟ هذه الأسئلة الفضائحية أكبر من سردها في هذه المساحة القصيرة، والجواب عليها يعرفه كل أب مفجوع بلفذة كبده، وتعرف كل أم ما هو السبب ومن هو المتسبب الذي لا زال حراً طليقاً وقد يعود إلى اختطاف ابنها الثاني كمبعوث متطوع وبالمجان عبر "حصانة" أو من خلال "فطن"، والخلاصة: نحن نطلبكم بوجه الله أن تتركوا أولادنا في مدارسهم من أجل التعليم لوحده. اتركوهم بعيداً عن اللعبة المكشوفة في اختراع أسماء مثل هذه البرامج فلستم أكثر حرصاً من الأب على ولده.