الحرب ضد فطرة الإنسان لأنها تفني الأفراد وتهدم الديار وتلتهم الأموال، وتبعث على الخوف والاضطراب، بل أحيانا توجب هتك حرمات النساء وسبيهن، وتجويع الأطفال وإذلال المغلوب؛ فالأمم لا تريد الحروب، وإنما جماعة من الناس لها مصلحة في الحرب هي التي تشعل الحرب، وغالبا هي تتجنب ويلات الحرب، فتقف خارج الميدان، وتدفع بالآخرين إلى الحرب.

دوافع الحروب لم تختلف كثيرا في الحال الحاضر عن دوافع الحروب عند الإنسان غير المتحضر، فقد كانوا سابقا يحاربون لأجل الغنائم، أو لأجل إظهار الشجاعة، أو لأجل الخوف من الأعداء أو لأجل دفع الأعداء أو إرضاء الغرور، وبرأيي المتواضع أن الحرب كلها تنشأ من عدم تحكيم الكلمة وعدم التحاكم إلى المنطق. لا ننسى أيضا أن هناك سببا من أسباب الحرب لا يمكن الاستهانة به ألا وهم تجار الأسلحة.

تجار الأسلحة لا بد لهم من إقامة الحروب حتى يبيعوا أسلحتهم، وكلما كان السلاح متطورا أكثر كانت الإبادة أكثر، كما قد تصل الحرب بسهولة إلى مناطق لم تكن تصل إليها أمثال الجبال والأدغال ونحوهما. وبما أن الحروب واقعة لا محالة، وجدلية الصراع تتأرجح بين السلم والحرب دائما؛ فإن كل العقلاء والشرفاء في العالم يقفون ضد الحرب، ويحضرني هنا كلام جميل للرئيس الأميركي دويت آيزنهاور قاله في أحد المؤتمرات أثناء الحرب العالمية الثانية يقول: (في كل مرة تصنع فيها بندقية، في كل مرة تنطلق سفينة حربية، في كل مرة ينطلق فيها صاروخ موجه، فإنني أحس أن سرقة ما حدثت من طعام الجوعى، ومن عقول العلماء، ومن آمال الأطفال، ومن أغطية المشردين.. إن هذا العالم بين رحى الحرب لا ينفق المال فقط)..

إذن، فالخطورة ستظل ملازمة لمن يلعب بالبيضة والحجر، وسوف لن يكون قادرا على حصاد سنابل القمح الثقيلة وإحياء الأمنيات القتيلة، وستبقى مادة الحرب الرئيسية هي الموت، أي إماتة كل ما هو حي، والموت لا يموت أبدا...

كل شعوب العالم تقف ضد الحرب، ولم يمجد الحرب إلا الطغاة أمثال موسليني الذي قال (الحرب بالنسبة للرجل كالحمل بالنسبة للمرأة).

ولو قدر للزمن أن يعود وسألنا قائلها، لقال لنا بدون روية، الحرب خطأ تاريخي صناعة بشرية يمكن تجنبها بإعمال الفكر أو إبعاد شبحها بانتظار ما تأتي به قابل الأيام، فالرجل الذي وصف الحرب بالأمومة وأعطى لها قدسية التناسل والديمومة خسر الحرب ودمرت بلاده بالسير باتجاهها، لقد دفع هذا الرجل حياته، وعلق جثمانه وجثمان زوجته كلارا من رجليهما بعد أن تم إعدامهما من قبل الشعب الإيطالي بعد هزيمة المحور في الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي انتهت بمقتل أكثر من 70 مليون إنسان وخمسة أضعاف الرقم جرحى ومعوقون. الحرب أشبه ما تكون بالسفينة التي يقودها الربان الذي يدعي المهارة، وما إن تبدأ بالإبحار حتى تنكسر دفتها وتكون الأمواج هي سيدة كل شيء، فلا قبطان ولا فنار ينفع، لكن هناك بحر هائج مجنون اسمه الحرب هو صاحب القرار.