لا يخفى على الكثير أن العنصر البشري هو أحد أهم العناصر المساهمة في تنمية الدول بجانب مواردها المالية والطبيعية. والمطلع على رؤية السعودية 2030 يجد أن أحد التزاماتها هو مواءمة مخرجات التعليم مع تطلعات ومتطلبات الاقتصاد بعموميته، سواء كان ذلك في القطاع العام أو القطاع الخاص. حيث أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن "ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله".
وأسعى في هذا الطرح أن أتحدث عن مقومات العنصر البشري الذي ستساعد على تطبيق هذه الرؤية، والعمل على إيصال المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، وذلك من خلال تحليل وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وتحديد هذه المقومات.
أتت الوثيقة بعدة مقومات ذكرت في عدة أماكن فيها ويمكن تصنيف هذه المقومات إلى ثلاثة أجزاء: مبادئ إسلامية تسعى إلى خلق دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، وأخيرا مبادئ تسعى إلى بناء شخصيات أبنائنا. ويجب التأكيد هنا أنه بغض النظر عن اجتهادي في هذا التصنيف، فإن جميع هذه المبادئ والقيم مستوحاة جميعها من الأسس التي نشأت عليه المملكة والمبنية على الإسلام.
أولا: المبادئ الإسلامية وشملت الوثيقة العديد منها مثل الوسطية، التسامح، العدالة، التراحم، الشفافية، العطاء، التعاطف، الإتقان، الانضباط.
ثانيا: مبادئ تسعى إلى خلق دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع ومن هذه المبادئ: تقبل الآخر، التعاون، الشراكة، تقدير الوافدين، احترام حقوق الإنسان في العمل، التكاتف، تكامل الأدوار والتعاون.
ثالثا: مبادئ تسعى لبناء شخصيات أبنائنا ومنها المبادرة والتخطيط، المثابرة، الأداء الفعال، المرونة وكفاءة الأداء، القيادة والمسؤولية وأخيرا الإبداع.
والسؤال الذي قد يسأله البعض هنا هو ما هي أهمية هذه المقومات ومدى تأثيرها في تأهيل الشباب السعودي للقيام بالمهام المنوطة به في تطبيق رؤية المملكة.
إن بناء العنصر البشري ينقسم إلى عدة أقسام، وسأختصرها هنا إلى قسمين: بناء الشخصية وبناء العلم. ولقد استثمرت السعودية كثيرا في التعليم العام والجامعي والمهني، ولكن في رأيي كان هذا الاستثمار دائما ما يركز على بناء العلم بطرق حديثة ومستقاة من تجارب عالمية، ويعتمد على أن بناء الشخصية هو تحصيل حاصل، وسيحدث طالما أن الفرد السعودي يأخذ حصيلة جيدة من المواد الدينية والتربوية ويعيش في بيئة إسلامية. ونتج عن ذلك ضعف كبير في مخرجات التعليم، حيث إن الكثير من الشباب يقع ضحية أن الشهادة العلمية هي من ستجعل منه فردا منتجا وهذا مغاير للواقع، حيث إن ما سيجعل الفرد منتجا هو جميع هذه المبادئ التي ذكرت في بداية المقال، بالإضافة إلى العلم البحت. وبنظرة سريعة إلى الدولة الإسلامية في قمة ازدهارها والدول المتقدمة الآن، نجد أن بناء الفرد كان يبدأ دائما منذ الصغر بخطوات صغيرة ومتتابعة لبناء الشخصية الصحيحة، حيث يمكن بعد ذلك بناء الجزء العلمي عليه ليكون البناء على أسس قوية متينة تساعد على ازدهار وتنمية المجتمعات. ويبدو أن إحدى مبادرات وزارة التعليم في برنامج التحول الوطني 2020 تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، حيث تنص المبادرة على "تطوير مصفوفة متكاملة للمهارات الشخصية المؤدية للنجاح في الحياة العامة والعملية، وتضمينها في المناهج والأنشطة غير الصفية".
وأود أن أشير هنا إلى أن أحد الأسباب التي ساعدت على ضعف مخرجات التعليم هو ضعف دور المجتمع والأسرة بشكل خاص في عملية بناء شخصية الفرد، حيث أصبح هناك نوع من التواكل على نظام التعليم للقيام بهذه المهمة أو تركيز فقط على متابعة الأبناء أكاديميا ومساعدتهم في الحصول على أفضل العلامات دراسيا.