نعم الناس مقامات، لكن هل مقام الشخص يرتفع لمجد ليس له يد في صنعه - إرث أسلافه - أم من حاضر نحت الصخر لأجله.

الناس مقامات عند الله، والمقامات في الشريعة تعتلى بالتقرب إلى الله لكن، عند البشر باعتبارات أخرى، فمن نحن يا بني البشر لنميز الأشخاص وفق أهوائنا. ما زالت الفوارق الاجتماعية والطبقات الاقتصادية والنعرات القبلية تكتنف دول العالم الثالث وبالتحديد العالم العربي، بالرغم أن ميزان المفاضلة يرجح وفق آيات كريمات وأحاديث شريفة بعبارة أن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، لكننا كمجتمعات عربية غرست فينا ثقافة أن الناس أجناس وأصابع اليد الواحدة لا تتشابه، وإن تظاهرنا بالمثالية، وأننا أصبحنا مجتمعات أكثر مدنية وأقرب للتعايش مع جميع الفئات، لكن لا ننكر أن البعض ما زالت أنفسهم تأنف مجالسة من هم أقل منهم مستوى اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا. وتتجلى صورة هذا الانغماس في الطبقية حينما نجد شخصا قد سطع نجمه في أحد المجالات فنرى الناس تتسابق لمعرفة أصله وفصله ومن أين أتى والبيئة التي نشأ فيها ومن ثم يقومون بتسليط الضوء على كونه فقيرا أو غير قبلي، وما إلى ذلك وصرف النظر كليا عن ماذا هو عليه الآن، وفي أي مجال تفوق، ونفس الشيء عن الشخص المخفق فيتم البحث عن كونه لا أصول له أو أنه حديث عهد بنعمة أو.. أو..

يبدو أن هذه الثقافة قد تشربتها الأجيال جيلا بعد جيل، فهي ليست وليدة الليلة، ولا البارحة، هي للأسف متأصلة وبات من الصعب إنكارها أو تجاهلها، فالأجدر أن ننظر للطرف الآخر حسب ثقافته ومعرفته وما هو عليه الآن، لا أن نركز على ماضيه وأصوله والبيئة التي نشأ فيها.

نردد كثيرا أن الفتى ابن بيئته، لكن هذا لا يمنع أن من نشأ ببيئة فقيرة أصبح وزيرا، وأن من نشأ بدون قبيلة أصبح طبيبا وعالما، الناس لا يقاسون بماضيهم بل بحاضرهم.

من السهل أن يصبح ابن الطبيب طبيبا، وابن الثري يمتلك المال والجاه وذلك لا يجعله شخصا قدوة ومميزا، وأيضا لا يصيبنا بالدهشة ولا يستوقفنا كثيرا، لكن حينما يأتي شخص من أسرة متواضعة لا يسنده مجد أسلافه ولا تمتد شجرة عائلته بأوراقها للقبيلة الفلانية والفخذ الفلاني، إنما نبتته طيبة سُقيت بعناية وبمجهود فردي لتصبح شخصية يشار إليها بالبنان في العصامية والتفاني والبدء من الصفر فهذا هو المبهر الذي يستحق أن يكون قدوة لمن خلفه.

وكما أنه توجد عبارة "الناس مقامات" أيضا، هناك (وش ترجع؟) سؤال في طياته عنصرية محضة المقصود منه لأي أسرة، لأي فخذ، لأي شيخ، لأي قبيلة تنتمي، ومن خلاله يتم التقييم، فهذا السؤال يؤكد أننا نعود للخلف ولا نتقدم. وبذلك تتم المفاضلة على أساس اللون والعرق، فمتى سيتم خلع رداء الفوقية والنظرة المتعالية والنظر بدونية لمن هم أقل منا؟

ربما البعض غض النظر عمن لا قبيلة له وركز جل اهتمامه على الثروة والجانب المادي، وفي كل الأحوال يأخذنا هذا وذاك إلى مصب واحد وهو المفاضلة الجائرة. فمتى يتم التقييم على حسب الثقافة والعلم والمستوى الفكري والعقلي؟ ومتى يتلاشى هذا الطبع السيئ ويتم التعامل مع الأشخاص بمعزل عن الأشياء التي لا يد لهم فيها كالقبيلة والثراء؟.