عندما يتحدث الإعلام عن قصف روسيا لحلب فإن عيني أيضاً كمحلل منطقي للواقع السوري لا يفوتها النظر إلى منطقة الرقة السورية وقصف أميركا لها، وعندها تتزن كفتا الميزان للتحليل الواقعي للمشهد السوري، دون انجراف عاطفي لأي الكفتين، فلن أتوهم أن أهل الرقة ينتظرون من الطائرات الأميركية شيئاً يختلف كثيراً عما تسقطه الطائرات الروسية، وما أشعر به تجاه حلب هو نفس ما أشعر به تجاه الرقة.

لنفكك الصورة أكثر، عاصمة داعش هي الرقة، فهل هذا مبرر لقصفها، فلقد كانت بغداد عاصمة صدام حسين، وكان ذلك مبرراً لكثير من الدول ليتم قصفها، وها نحن نرى المآلات؟ هل أدافع عن داعش؟ قطعاً لا، لكني أحاول التفكير بصوت عال ليساعدني القارئ في تفكيك المشهد بلا تزويق إعلامي لإحدى الكفتين، لتصبح قنابل أميركا مجرد ورود، وقنابل روسيا جهنم، إذًا المشكلة في بشار الأسد، وإذا كانت المشكلة في بشار الأسد فهل الأمر يقتضي تحويل سورية إلى أفغانستان أخرى يملأ جسدها جدري الإرهاب، وهل بشار هو عدو أهل السنة فعلاً، وهو من كان يمرر (المجاهدين السنة) إلى العراق لقتال القوات الأميركية، أم أنها المصالح السياسية عندما تلتقي أو تتعارض.

هل البوطي كان خارجاً عن أهل السنة والجماعة عندما دافع عن بشار كرئيس للدولة إلى آخر رمق في حياته، وقد سعد بموته بعض رجال الإسلام السياسي من أهل السنة، هل كان البوطي حليفاً لمنهجه السني في الطاعة أم حليفاً لإيران وقد أفضى إلى ربه؟ هل مفتي الدولة السورية أحمد حسون من السنة أم من الشيعة؟ ولماذا لم يكن (مفتي الدولة السورية) شيعياً إذا كانت فعلا دولة سوريا قررت التشيع كما يتداوله البعض، وهل من المفارقات أن يكون مفتي الدولة السورية من حلب، ويكون مفتي الجماعات الإرهابية من غير أهل سوريا أصلاً.

هل بشار الأسد هو سورية فعلاً؟ أم أنه الجيش السوري الذي غالبيته من أهل السنة هم سورية الحقيقية؟! راهنت الدول على انشقاق الجيش السوري ثم الفتح المبين لدمشق الذي لن يستغرق بضعة أشهر كما قيل، وها نحن أمضينا السنوات وما زال الجيش السوري موجودا وطياروه يقصفون تحت مبرر (آخر العلاج الكي) لجسد مليء بالجدري، ومَن المستفيد من اجتثاث البعث السوري كفكرة، وهل يمكن ذلك، وهل هناك بديل سوى الإسلام السياسي الذي رأيناه في داعش أو في الإخوان المسلمين الذين رأيناهم يبحثون عن ولاية فقيه سنية.

المخيف أن المشروع القومي العربي يذبح بأيدينا، والبديل هو مشروع الإسلام السياسي الجاهز في إيران، ونصف الجاهز لمن يرى نفسه (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، مما يشي برغبة دولية في الفوضى الخلاقة التي لا نرى في أفقها رغبة في استثناء أحد على المدى الطويل، على يد الجاهزين دائماً من الخارجين على القانون باسم الدين (القاعدة وداعش).

بشار الأسد هو وجه العملة لصدام حسين، ولا خلاف على هذا، ولكن أفكار بريمر تحت إغراء المعارضة لا يجب أن تتكرر في دمشق،  ومن يقول: (البعث العربي) من كلاسيكيات القرن الماضي فإن الإسلام السياسي من كلاسيكيات ما قبل القرن الماضي منذ أن تسمى الأعجمي السلجوقي باسم (الخليفة) كتبرير سياسديني ونشأت الدولة العثمانية، التي يسمل فيها الخليفة عيون بعض أقاربه، ويقتل آخرين تمسكاً بكرسي الحكم.

البدائل الموجودة للتصعيد لدى الخصوم السياسيين في الشرق الأوسط ستكون أكثر سخونة لتتمدد إلى لبنان، ليصبح الحريق بحجم العراق وسوريا ولبنان، وقد رأينا طرف النار وقد هزت تركيا (قبل كل هذا)، فهل ستصمد الأردن ومن وراءها (بعد كل هذا)، والمضحك أن عشاق داعش يريدون هزيمة أميركا ويتمنون دعمها في نفس الوقت لتصفية سورية ككيان صلب، بينما داعمو داعش البراجماتيين يريدون إلباس خصوماتهم الخاصة بفرد واحد دعاوى إنسانية على حساب الكيان  السوري، ولم يعلموا أن أميركا لا يوجد عندها إشكال في إشعال المنطقة بالكامل باستثناء إسرائيل التي موَّنت إيران بالسلاح ضد صدام، وستمون أي أحد ضد إيران، وهكذا ما دام الكل يدفع ويبني معها التحالفات، وما عدا (إسرائيل) في السياسة الأميركية فقابل للتفاوض ومحاولة كسر الأصابع، واليد إذا لزم الأمر، وما زالت جلود الثعابين تتبدل كل موسم بلحى وعمائم على مقاس الحاجة، فلا تخافوا على العرب من أميركا وإسرائيل، خافوا على العرب من أنفسهم، فالأحمق أشد بلاء على نفسه من شد عدوه عليه، (ومن دون صهيون... بذتنا صهاينا).