مساحة تصعب فيها الرؤية حتى في وضح النهار، مليئة بتحديات، تصل إلى حد قد يفقد فيه المرء حياته، إن لم يأخذها على محمل الجد.
وعادة لا يحتاط لها إلا القائد المسؤول الذي يدرك جيدا عواقب التقليل من شأنها، فلا يجزم مثلا بأن السيارة خلفه تراه بوضوح، وحتما ستتجنب الاصطدام به، ولا يعتمد على قراءة المرآة، أو يكتفي بصوت كاشف الحركة فقط، بل يحرص على القيام بتلك "الخطوة الإضافية"، بتوقيت النظرة الخاطفة التي عليه أن يأخذها من فوق كتفه، في الوقت المناسب، نحو المنطقة العمياء، ليقيسها بدقة، قبل أن يعيد نظره في الثانية نفسها على الطريق.
فكم من كارثة تسبب فيها قائد "غير مسؤول"، أعمته عنجهيته عن اتخاذ تلك "الخطوة الإضافية"، معتقدا بأن مجرد حصوله على رخصة يؤهله للقيادة، أو سيحميه من الاصطدام في المنطقة العمياء.
تسابق بعض الوزراء، إبان تسلمهم الحقائب الوزارية الأخيرة، إلى تسجيل حضور مثير على وسائل التواصل الاجتماعي، فتناولوا مواضيع كانت بعيدة كل البعد عن الملفات المعلقة التي كان ينتظرها المواطن طويلا، ولم تحقق أبسط طلباته، فبالغوا في نشر صورهم بـ"المشالح الوزارية"، وأكثروا من تفخيم أنفسهم، خاصة بعد إعلان الرؤية، بعبارات مثل "ناقشنا، درسنا، بحثنا، نوينا، أجرينا" وهكذا!
وتجاهلوا حالة الخوف التي عبّر عنها المواطن من الظروف الصعبة التي تتوعد به.
وللحق، لم أر نموذجا للوزير الجاد في عمله، مثل وزير التجارة والصناعة السابق "توفيق الربيعة" الذي أنعش الوزارة، وانتشلها من موت محقق بعد أن يئس المواطن من أن تحيا ثانية، فظل يعمل بصمت 3 سنوات، دون أن تخرجه أضواء وسائل التواصل عن وقاره، فاقترب من موظفيه، وفعّل عمليات التحفيز والتمكين، ورفع المعنويات، وجعلهم يتسابقون على الابتكار والعمل، ولم يتوقف بل اتخذ تلك "الخطوة الإضافية" في تقدير موظفيه، ليمتد إلى أمهاتهم، في رسائل شكر وامتنان.
وفي العمل، اقتص للمواطن من جشع التجار، وحل المشكلات المتكدسة التي كسب بها ثقة المواطن، وحوله من مواطن غاضب من سوء الخدمات، إلى شريك الوزارة في المسؤولية والتنمية.
والتنمية الإنسانية بالذات، ترتكز على عدة محاور، يحوي كل منها مقادير محددة، تساعد على بناء القدرات البشرية، لاستثمار مهاراتها فيما بعد، بالإسهام في تنمية المجتمع الذي تعيش داخله في جميع المجالات.
وتلك المقادير، من شأنها أن تؤهل كثيرا من القدرات البشرية، لصنع قرارات ملائمة لاحتياجات شرائح المجتمع المختلفة.
أهم تلك المقادير "التوازن"، وذلك بتوزيع الطاقة الفكرية للمرأة والرجل أثناء صناعة القرار.
وجميع القرارات التي تمس حياة الإنسان تتطلب كفاءات عالية، لديها القدرة على معرفة عمق أوضاع وأحوال الناس، والتعاطف معهم والمشاركة في مشكلاتهم. قدرة تمكنهم من تفهم ما يختلج في مشاعرهم والإحساس بها، وتشجعهم على التعبير عنها، حتى وإن كانت مشاعر مختلطة، لفهم عمق المشكلة أو المعاناة التي يعانونها.
وتلك القدرات، تعدّ جزءا من الذكاء العاطفي الفطري للمرأة، والذي أثبتت كثير من الدراسات تفوقها في ثلاث مهارات من أصل أربع على الرجل "إدارة الذات، الوعي الاجتماعي، إدارة العلاقات"، بينما تساوت معه في مهارة واحدة فقط وهي "الوعي بالذات"، ومع ذلك لم تُولّى المرأة أي منصب من المناصب القيادية التي تستطيع بمهاراتها مجتمعه أن تحدث فرقا.
فلم يتخذ أغلب أصحاب المناصب القيادية، تلك "الخطوة الإضافية" التي من الممكن أن تجنبهم الاصطدام في المنطقة العمياء، لأنهم ما زالوا يصرون على أنهم يرونها بكل وضوح، وهم في الحقيقة ليس كذلك.
فوزارة العمل والتنمية الاجتماعية لم تتخذ خطوة بتوظيف مهارة إحدى السيدات في الوزارة، من تولي الشؤون الاجتماعية، ولم تعهد لأخرى مثلا قيادة "مجلس شؤون الأسرة" وتحديد برامجه، حتى برنامج تأنيث المحلات يقودها رجل، يعتقد بأنه يختار لها ما يناسبها، لذلك تعطل البرنامج.
ووزارة التعليم، لم تتخذ تلك الخطوة الإضافية التي تعطي للمرأة حق قيادة شؤون البنات من داخل الوزارة على سبيل المثال. حتى لو كانت التعيينات الوزارية، تتطلب قرارا ملكيا، ما الضير في أن يرفع كل وزير أو مسؤول بذلك إلى المقام السامي، ما دام الأمر سيعود بمصلحة على البلد والمجتمع.
لذا، علينا الاعتراف بكل شجاعة بأن النساء هنا، لا تملك تلك الحظوة التي يحصل عليها الرجال في الفرص القيادية التي تمنح لهم في أماكن العمل والوزارات بسهولة، حتى لو كانت قدرات المرأة حاضرة بجدارة، يجد كثيرون صعوبة في الاعتراف بها، أو بأن سبب تأخرنا، تغييب قدرات النصف الآخر من المجتمع الذي من المفترض أن يسهم في تحديد مصيره.
إن لم نحاول اتخاذ تلك الخطوة الإضافية، ولم نستثمر في قدرات المرأة الآن، أو نخصص لها مقاعد متينة حول منصة صنع القرار، ستبقى معظم القرارات المصيرية في المجتمع ناقصة، لا تراها سوى عين واحدة.