ديفيد بوسكو*

 


في أبريل افتتح الملك الهولندي ويليام ألكسندر مراسم المقر الجديد للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يقع في ضواحي لاهاي بالقرب من كثبان بحر الشمال. وقد كلف مشروع بناء المقر الجديد أكثر من 240 مليون دولار. وبهذا المقرر الجديد تهدف المحكمة إلى استيعاب 800 موظف لمتابعة مهامها في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وتضمنت كلمات الحفل مسيرة المحكمة منذ أن كانت فكرة سامية إلى واقع ملموس.

وبعد ستة أشهر فقط، بدأت مكانة هذه المحكمة الدولية تهتز، حيث فاجأت جنوب أفريقيا المجتمع الدولي الأسبوع الماضي بقرارها الانسحاب من المحكمة. وجاء هذا القرار الساخن في أعقاب تصويت البرلمان البوروندي بمغادرة المحكمة، فكيف يعقل أن المحكمة الجنائية الدولية أن تهتز بهذه السرعة؟ وهل هذا يعني أن استمرار وجودها في شك؟

ويأتي سيناريو كابوس المحكمة من رحيل قوة بارزة مثل جنوب أفريقيا الذي سيشعل انسحابا جماعيا منسقا، حيث إن بعض القادة الأفارقة يشككون فيها منذ فترة طويلة. وليس من الصعب تحديد المرشحين المحتملين للخروج منها، فلقد بدأت علاقات كينيا تسوء مع المحكمة منذ عام 2011، عندما قدم المدعي العام تهما ضد عدد من السياسيين البارزين من بينهم الرئيس أوهورو كينياتا ونائبه، وقد فشلت القضية المرفوعة ضد الرئيس كينياتا في نهاية المطاف، وحث البرلمان الكيني الحكومة على الانسحاب من المحكمة، وهناك مؤشرات على أنها قد تفعل ذلك أخيرا.

ولقد أصبح الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، لاذعا تجاه المحكمة، ففي حفل تنصيبه في مايو، وصف المحكمة الجنائية الدولية بأنها "حفنة من أناس لا ثقة فيهم،" الأمر الذي دفع بعض الدبلوماسيين الغربيين إلى الخروج من الحفل. وكان عداء موسيفيني مؤلما لمحكمة لاهاي لأنه طلب من المحكمة التحقيق في الانتهاكات التي يرتكبها "جيش الرب للمقاومة" في عام 2003، وهي الدعوة التي أدت إلى أول اتهام للمحكمة.

وفي هذا الأسبوع، قررت السلطات في غامبيا أيضا تحريك عملية الانسحاب، ووبخت المحكمة الجنائية الدولية ووصفتها بأنها "محكمة قوقازية دولية".

إن انسحاب مزيد من الدول قد يقلل من شرعية المحكمة ويحدُّ من نطاق تحقيقاتها المستقبلية، حيث يمكن للمحكمة التحقيق فقط عندما تعطي الدول تفويضها القضائي لمحاكمة مواطنيها خارج أراضيها.

وإن استمرار المحكمة الجنائية الدولية بعدد قليل من الدول الأفريقية سيكون أسوأ مما كانت عليه سابقا. ومن المرجح أن تتساءل الحكومات التي توفر الجزء الأكبر من تمويل المحكمة، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا واليابان، والمملكة المتحدة، عمَّا إذا كانت المحكمة تنفق بشكل جيد ملايين الدولارات التي تدفعها كرسوم سنوية. وربما تحوّل هذه الدول أموالها وطاقاتها إلى المحاكم الإقليمية والمحاكم المخصصة أو لتشجيع المساءلة محليا. كما أن فقدان اهتمام كبار المساهمين الماليين قد يجبر المحكمة إلى تقليص موظفيها، وبالتالي تقليص التحقيقات الحالية.            



* أستاذ مساعد في كلية الحقوق بجامعة إنديانا للدراسات العالمية والدولية - مجلة (فورين بوليسي) - الأميركية `