رغم أن الإعلام لا يستطيع أن يفسد العلاقات المتينة بين البلدين إلا أننا بحاجة إلى أن نرتقي على ما يحدث في تلك الوسائل التي تتحين الفرصة لتسييل حبرها وإعلاء ضجيجها لإثارة الفتنة بين الفينة وأختها.
العلاقات بين الرياض والقاهرة أكبر من كل الأزمات مهما كان حجمها ولا يمكن أن تستدعي القطيعة بين الشقيقتين العظميين في الوطن العربي? غير أننا ?تعودنا أن يقوم بعض المتربصين بإضرام النار في حال تباين المواقف.
نحن نعرف تلك الأصوات المستلقية على ضفاف الفتنة، الراقصة على أنغام الخلاف والفرقة?.? العقلاء في الجانب السعودي والمصري يؤمنون بوجود اختلاف الرأي في المواقف لكنهم يتركون العمل الدبلوماسي يقوم بدوره?.? لا يمكن بحال من الأحوال أن تنتظر من غيرك أن يكون نسخة منك في التفكير والرأي، هذا على المستوى الفردي فما بالك حين يكون على مستوى دول تختلف مصالحها وقراءتها للأحداث والقضايا. هذا ما يعتقده جموع المثقفين وأصحاب الرأي عدا زمرة من شواذ الطرفين في البلدين?.?
العلاقة بين البلدين علاقة وطيدة ضاربة في جذور التاريخ كما هو الحال بين الشعبين الشقيقين اللذين يعتبران البلدين وطنا واحدا سيظل كذلك إلى الأبد.
السعودي حينما يتجول في شوارع مصر يشعر بأنه في بيته تماما لأنه يرى، حيا وعلى الهواء، تلك المشاهد اليومية التي يراها في منزله من خلال الدراما والفن المصري الجميل، وأجزم بأن هذا حال كل عربي.
المصريون العاملون في السعودية يعتبرون أنفسهم في وطنهم وبين إخوانهم ولهم مكانة خاصة عند المواطنين وعلاقات شخصية مميزة نظرا لحضور الإنسان المصري منذ القدم في قضايا التعليم والبناء والثقافة والفن، ويحظى بالقبول الخاص لخفة روحه وعذوبة لهجته المحببة للنفوس.
الكيان السعودي والمصري قوة ضاربة في الوطن العربي لا يختلف عليه اثنان.
لن تجد للعرب وجوداً من غير السعودية، ولن تقوم للعرب قائمة من غير مصر.
السعودية، موطن الروحانية والأرض الممدودة معايش للناس ورزقاً حسنا.
مصر، الجبل الشامخ الذي يرسي الأرض لاستقرارها والعيش عليها. فإن سقط الجبل زلزلت الأرض زلزالها.
السعودية، الخيمة التي تظلل الكيانات العربية لتمنحها الروحانية والدفء والكفاف من لأواء العيش وصلَف الشرق والغرب.
مصر، العمود الذي تقوم عليه الخيمة فإن سقطت مصر سقطت الخيمة على من فيها، وتداعت عليها الوحوش حاملة أعلام الموت والدمار والهلاك.
وبهذا نعرف أهمية وجود البلدين في حالة عالية من الانسجام التوافقي وليس بالضرورة الانسجام التكاملي.
كل الظروف المحيطة تعمل على تهديد استقرار البلدين، يُرسل عليهما شواظ من نار ونحاس من كل الاتجاهات غير أنهما يبقيان شامخين يتصديان للتهديد لوعيهما بمخاطره الآنية والمستقبلية.
لا شك أن المواطن المصري يتطلع لأن يشاهد دعم بلده الثاني السعودية في قضاياه السياسية والاقتصادية من باب تصور المصير المشترك الكبير.
ولا يضير المصري حين يطالبه أخوه السعودي بأن تكون مصر منسجمة مع مواقف بلاده في المحافل الدولية. والعكس صحيح غير أنه في حال التعثر فليعذُر كل منا صاحبه.
تباين المواقف لا يعني ضرب كل الماضي التليد والتصعيد أو العراك والتعبئة الإعلامية على مرأى ومسمع من العالم المعادي الذي يفرح بالوقيعة بين البلدين المتبقيين في الوطن العربي.
من جانب آخر، يُبدي البعض توجسه من أن تنعكس الخلافات السياسية على الشعبين وهذه المخاوف غير صحيحة ولا مكان لها البتة. في السعودية يوجد مليونا مصري مقيم، وفي مصر نصف هذا العدد من السعوديين بين مقيمين وسواح دون أن تنعكس على وجودهم أي أضرار جراء المواقف السياسية.
التأريخ يثبت أنه لم يحصل أن اتخذت السعودية موقفا معاديا ضد أي شعب متواجد على أراضيها بسبب خلافها مع دولته. مرت البلد بأزمات وقضايا سياسية اختلفت فيها مع دول شقيقة وصديقة ولم تزج بالشعوب جراء تلك المواقف. نذكر على سبيل المثال أزمة حرب الخليج وقبلها اتفاقية كامب ديفيد التي تم فيها توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ونتج عن ذلك تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية عشر سنوات 1979?-?1989. يقول صديقي المصري المقيم في السعودية منذ ثلاثة عقود ونيف؛ "قدمت إلى السعودية إبان أزمة كامب ديفيد وأشهد أن السعودية لا تعاقب الشعوب بسبب خلافها مع الدول". وفي حرب تحرير الكويت كان الانقسام العربي الحاد ووقفت دول عربية موقفاً غير منصف ضد السعودية واحتفت بعض الشعوب العربية بغزو صدام الكويت فلم تتعرض تلك الشعوب للمضايقة أو الطرد والإقصاء من أراضيها سوى ما كان من إلزام المقيم اليمني بالكفيل السعودي أسوة بغيره.
هناك عاطفة شعبية سعودية مصرية تشعر بها على امتداد ثلاثة ملايين كم2 مساحة البلدين، ويعرف كل مواطن مصري أن السعودية هي وطنه الثاني، وإن لكثير من السعوديين علاقات صداقة ونسب ومصاهرة وذكريات في كل شبر من الأراضي المصرية.
هذه العلاقة المميزة بين البلدين على المستوى الرسمي والشعبي هي مكسب كبير لكافة الشعوب العربية لأن حسن العلاقة بين البلدين ينعكس على الأشقاء العرب وهي الرصيد الإستراتيجي لكل الدول العربية رسميا وشعبياً.
ختاماً، ورغم أنف الكتائب الإلكترونية "الإخوانية" المتربصة بالبلدين لدفعهما إلى المجهول، مصر أبية مستقلة ولن تركع، ولا يريد لها عربي أصيل أن تركع والدعم الذي يُقدم لمصر الشقيقة واجب أخوي لا يتبعه منٌ ولا أذى.