استدرج الأديب والشاعر "إبراهيم مفتاح" شخوصه الروائية في روايته "الصنجار"، لتصبح منسجمة مع التطور الحكائي المتصاعد، من خلال البعد الدلالي للمكان، وليمنحها درامية تاريخية وتسجيلية وتخييلية، عبر سبر حياتهم الداخلية الغائرة وهواجسهم النفسية، وليترك للقارئ مساحة من المتعة واللعب على ثنائية المتخيل السردي والواقعية المرجعية، من خلال الإحا?ت والميثولوجيا والنص الموازي، الذي اعتمد عليه مفتاح، وأضفى على المكان والشخوص فضاء مفتوحا وتداخلا تشكيليا، سمح لأبطاله بالتحرك واصطناع عوالمهم، فالأمكنة عند مفتاح كالأرواح تدب فيها الحياة، فتتحول من فضاء جامد إلى عنصر افتراضي فاعل، ينصهر استذكاريا في تكوين خطابه السردي وديناميكيته اللغوية، التي استرجعها داخل بنائه الحكائي، وعلى أفواه شخوصه، وهم يربطون بين الأحداث، ويرصدون أدق تفاصيل حياتهم مع "البحر" في جزيرتهم، وما أحدثه من تحولات مجتمعية واقتصادية وتاريخية، ومدى تأثيره وتداعياته عليهم. الرواية نسلكها ضمن روايات تيار الوعي أو التاريخ الروائي، نظرا لما يتمتع به "مفتاح"، من ذهنية بيئية عميقة وتوظيف معرفي أخاذ، ومشهدية تصويرية راقية ولماحة، وتنويع أسلوبي سيكولوجي.

 يقول إبراهيم مفتاح "إن هذا العمل يمكن اعتباره تاريخا يرتدي عباءة قصة، أو قصة ترتدي معطف تاريخ، أو تاريخا وقصة يرتديان "دشداشة". رواية تستمد عناصرها وأحداثها من حياة مجتمع "مصغر"، استمد من البحر جمالياته وعذاباته، وسعادته ومعاناته، بل إنه يسجل معالم حياة ربما لا تعرف ألوانها وطريقة عيشها المجتمعات الأخرى. إن هذا العمل هو إفراز لما يمكن تسميته "الاسترجاع" لأشياء كانت مخبوءة في زوايا الذاكرة، ومنعطفات الوجدان "حاول الحكاء، "إبراهيم مفتاح" أن يخون الشاعر فيه، ويصيبه بالخرس أو يدفنه تحت "زهرات السكب" أو "مشاخس الذهب"، ولكنه لم يفلح، فأطل الشاعر عنوة برأسه المخملي، ودفقه الشعري والتماعاته المنسربة بين السطور "عندما كانت العجوز في جلساتها الليلية"، تجلس قبالة جليساتها، كانت تحاول أن تروض في أجفانهن أحصنة السهر، وتطرد من قلوبهن دقات الشوق العارم إلى غائبيهن، وتزيح عن عيونهن ستائر النعاس"، "لم تكن الشمس قد غسلت بشعاعها خلايا الأفق من بقايا قطرات الندى الليلي، أو تجفف الأجفان من نعاسها". فسر مفتاح، "عنوان الرواية "الصنجار"، بأنها مفردة تعني "مجموعة السفن، التي ترافق بعضها بعضا أثناء السير في البحر إلى مكان ما".