أعلنت الأمم المتحدة الهدنة الخامسة في اليمن، ابتداءً من صباح يوم الخميس 20 أكتوبر، وانتهت بنهاية يوم الأحد 23 أكتوبر. وكانت أهداف الهدنة الأخيرة، وفقاً للإعلان الصادر من الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي 18 أكتوبر: "إعادة تفعيل فورية للجنة التهدئة والتنسيق وانتقال أعضائها إلى ظهران الجنوب بحسب ما تم الاتفاق عليه خلال مشاورات الكويت"، و"السماح بحركة المساعدات الإنسانية والموظفين الإنسانيين بحرية ودون أية عوائق إلى كافة أنحاء اليمن، بالإضافة إلى التوقف الكامل والشامل لكل العمليات العسكرية".
ولكن الميلشيات لم تحترم هذه الهدنة، كما لم تحترم سابقاتها في مايو 2015، ويوليو 2015، وديسمبر 2015، وأبريل 2016. بل تجاوزت خروقاتها للهدنة الخامسة ألف حادثة خلال ثلاثة أيام، ومنعت وصول المساعدات إلى تعز، وردّت قوافل الأمم المتحدة على أعقابها هناك.
منذ الساعات الأولى من صباح يوم الخميس 20 أكتوبر، انهالت قذائف الميلشيات عبر الحدود السعودية، وانتشر قناصوها قبالة الحدود. وفي تعز استمرت في قصف الأحياء السكنية، وأطلقت صواريخها نحو مأرب.
وربما كان مؤشراً لحقيقة نوايا الحوثيين أنهم لم يعلنوا عن التزامهم بوقف العمليات القتالية، أو بأي من متطلبات الهدنة، في حين أعلنت الحكومة رسمياً قبولها بذلك، وأعلن المبعوث الدولي نيابة عن الحوثيين وصالح. وبذلك، لم يتبلغ أنصار الحوثي وصالح على الجبهات بالقرار من قياداتهم ولم يلتزموا به.
والمؤشر الأهم لنوايا الحوثيين وصالح هو استمرارهم في تهريب الأسلحة والصواريخ والقذائف، براً وبحراً، في الوقت الذي يؤكدون فيه للأمم المتحدة التزامهم بتسليم أسلحتهم والانسحاب من المناطق التي يحتلونها ابتداءً من صنعاء والحديدة وتعز!
فقد نشرت وكالات الأنباء هذا الأسبوع أخباراً تعتمد على مصادر أميركية وأوروبية وإيرانية تُظهر تزايد عمليات تهريب الأسلحة من إيران، وهو ما أكدته هجمات الحوثيين على السفن قرب مضيق باب المندب، حيث استخدموا صواريخ متقدمة، موجهة، مضادة للسفن من صنع إيراني.
لماذا يستمر الحوثيون في الحرب ورفض تنفيذ القرارات الدولية بالانسحاب والتخلي عن السلاح ومغادرة المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية التي استولوا عليها في سبتمبر 2014؟
لماذا لم يلتزموا باتفاقات إطلاق النار على مدى 18 شهراً، ولم يشاركوا في "لجنة التهدئة والتنسيق" التي ترعاها الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، ولم ينفذوا سبع اتفاقيات محلية لإطلاق النار، وقعوا عليها مع ممثلي الحكومة؟ لماذا يستمر الحوثيون في التمسك بخيار الحرب على الرغم من استمرار انتصارات الشرعية على الأرض، وانحسار رقعة المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون؟ ولماذا يستمرون في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى إخوتهم اليمنيين؟
هناك عدة أسباب لإصرار الحوثيين على هذه الخيارات غير العقلانية:
الأول، أن الحوثيين لا يرغبون في السلام حقاً، لأنه يعني تخليهم عن مصدر قوتهم وهو السلاح والإرهاب، فبالاستخدام غير المسؤول للسلاح تمكنوا من إرهاب اليمنيين وابتزاز المجتمع الدولي، وأصبحوا به يُعاملون كند للحكومة الشرعية.
الثاني، أن المجتمع الدولي، حرصاً على حقن الدماء، لم ينفذ حتى الآن القرارات والعقوبات التي فرضت على قادة الانقلاب، بما في ذلك القرار 2216 في 14 أبريل 2015، الذي صدر تحت الفصل السابع، أي أنه واجب التنفيذ باستخدام القوة. ولذلك يعتقد الحوثيون أنهم يستطيعون الاستمرار في تحدي المجتمع الدولي والمماطلة في تنفيذ قراراته.
الثالث، أن ثمة خلافات بين قُطبي الحركة الانقلابية (الحوثي وصالح)، وداخل معسكر الحوثي نفسه، حول القبول بشروط السلام. ولذلك فإن السلام يعني انقسام قوى الانقلاب، وربما الاقتتال بينهم.
الرابع، أن إيران لا ترغب في وقف الحرب في اليمن، بل مصلحتها في تصعيدها، لأن عدم الاستقرار في اليمن يسهل تدخلها مباشرة أو عبر وكلائها مثل حزب الله. وهذا ما تؤكده تصريحات الحرس الثوري الإيراني، الذي يشبّه الوضع في اليمن بوضع سورية والعراق ولبنان. فقد تمكنت إيران من تحقيق اختراقات مهمة في تلك الدول مستغلة عدم الاستقرار والخلافات السياسية والطائفية.
الخامس، أن أقطاب الانقلاب يعتقدون أنه يمكنهم الاستفادة من حالة الشلل السياسي خلال الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة. ففي الولايات المتحدة، سيختار الأميركيون الرئيس الجديد في 8 نوفمبر، وسيتم تنصيبه في 21 يناير 2017. أما الأمم المتحدة فإن أمينها الحالي سيسلم مقاليد منصبه في الأول من يناير لخلفه البرتغالي (أنتونيوجوتيريش). وهم بذلك يتبعون المثال السوري، حيث يستغل النظام ومؤيدوه هذا الشلل للتصعيد العسكري.
ولهذه الأسباب لم تحترم ميليشيات الحوثي وصالح الهدنة الأخيرة، كما لم تحترم مثيلاتها في الماضي، ومع ذلك طلبت الأمم المتحدة تمديدها لمدة ثلاثة أيام أخرى. وفي الغالب سيكون هناك إعلان آخر لتمديد الهدنة لن يحترمه أقطاب الانقلاب.