مع الشأن الوطني والهم الشعبي العام، لا أعتقد أنني في حياتي نمت قلقا متشائما ومحبطا مثلما كان لي مساء الأربعاء الماضي بعد ظهور أصحاب المعالي الكرام في ثامنة داود. وزير يتحدث بلا مواربة أو تغليف عن الوقوف على حافة الإفلاس، وكأن "البلد" مجرد بقالة في منتجع شتوي ولكن على أبواب الصيف. أضع بطانيتي على رأسي فأدخل في ظلام الكوابيس على وقع كلمة "الإفلاس" الصارخة من فم معالي الوزير الذي أنقذنا -بعد الله- من هذه الحافة الجافة بمجرد توفير 90 مليارا، ثم أتساءل: كيف نفلس لمجرد صرف عشر الميزانية، وكيف سننجو من الإفلاس لمجرد هذا الاختراع العظيم الذي نصرفه أحيانا على مجرد خمسة مشاريع؟ أشعر بنوبة اختناق فأرفع ذات البطانية عن رأسي لأرى النور والأوكسجين فأجد نفسي أمام هذه الحقائق التي تعاكس الصاروخ الباليستي لمعالي الوزير: كيف نفلس ونحن الدولة التي تسبح -ولله الحمد- على الربع الصافي من احتياطات العالم المؤكدة من النفط؟ كيف نفلس يا معالي الوزير ونحن نتكئ على وسادة ثالث احتياطي نقدي من بين كل دول العالم وبرقم يفوق تريليوني ريال على أقل الأحوال؟ كيف نقف على حافة الإفلاس يا معالي الوزير ونحن في قلب نادي العشرين، بل في المركز العاشر منه كما تقول بعض الأرقام والإحصائيات، وهل إذا أفلسنا، يا أصحاب المعالي ستنهار من بعدنا مئتا دولة تأتي كلها خلفنا في الترتيب. مرة أخرى، أضع رأسي تحت البطانية فأدخل في نوبة الكوابيس: هل تبخرت هذه الأنهار الهائلة من آبار النفط أم هل احترقت خزائن البنك الذي أودعنا فيه ذلك الاحتياط النقدي التريليوني الهائل؟ هنا بالضبط، تذكرت مقالة شهيرة للصديق العزيز جمال خاشقجي بعنوان "صناع الكوابيس". تأخذني نوبة أخرى إلى تخويف معالي الوزير عن نهاية عصر النفط تحت ضغط الطاقات المتجددة والبديلة. يذهب بي ذات الكابوس إلى الخيال أن هذا الزيت الأسود سينتهي إلى زيت للطبخ أو حتى مجرد دهان ثقيل لترطيب الجسم. أرفع البطانية فأجد نفسي أمام الحقائق الكونية الصارخة عكس الصاروخ الباليستي لمعالي الوزير: لا يوجد في العالم سوى بضع سيارات من ترف اختراع الماطور الكهربائي. نسبة مساهمة الطاقة الذرية والشمسية في حركة هذا العالم لا يمكن لها أن تكتب وإن كتبت فلا يستطيع قراءتها إلا متخصص بالرياضيات.

والخلاصة يا أصحاب المعالي أن هذا الشعب الكريم نام على الكوابيس ليلة الأربعاء الماضي دون الحاجة إلى حبوب التنويم التي تستهلك من جيوبنا ثلاثين مليون ريال في الليلة الواحدة، وهذا رقمي المتواضع أهديه إليكم طالما أن المسألة برمتها حفلة أرقام وتوقعات وكوابيس. كان العشم يا أصحاب المعالي أكبر من أن تخرجوا إلى هذا الشعب لتقولوا له إنه لا يعمل في المعدل سوى ساعة واحدة من الإنتاج في اليوم، لأنه نفس الشعب الصابر على ربع قوته الشبابية في طابور البطالة المكتملة، هو نفس الشعب الذي تتحمل فيه كل أسرة أعباء وتكاليف عاطل وربع عن فرصة عمل مثلما هو نفسه الصابر على كل فتاة جامعية لا تجد وظيفة إلا بعد ثماني سنوات في المعدل المتوسط. كنا نتوقع منكم أصحاب المعالي ساعة أمل، لكنكم خرجتم إلينا بالإحباط والتقريع والتشاؤم والنظرة السوداوية.