"المصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار". قال هذه الكلمات مارتن لوثر كنج مناضلا في سبيل حماية حق الإنسان ورفع الظلم عنه، لتقولها من بعده الطفلة البريئة نوف، ولكن بضعف وقلة حيلة.
كانوا يرونها، ويسمعون بكاءها، فحرموها العيش بين أحضان والديها بلا حق ولا سبب وجيه، فقط أبواها لا يتكافآن في النسب!
حكم مصيري وقع بأيدي أهل متعصبين، يتباكون على "عمران" سورية، ويمارسون النفاق والظلم على "نوف" العيينة.
قالوا: لقد زَوّر الزوج إثباته وكذب في نسبه والحكم الصادر بحقه عادل. الزوجة كانت راضية بالحقيقة بعد اكتشافها، وهي حياتهما الخاصة، لكن التفرقة بالإكراه والتشتيت بعد الارتباط مع وجود أطفال بين الزوجين حكم قاس وغير عادل.
هذه القصة -قصة خلع زوجة من زوجها لعدم تكافؤ النسب- تحمل في مجملها ثلاث قضايا ولا تقتصر على قضية الخلع بالإجبار من الطرفين، فيضاف إليها سلب الحياة الكريمة من امرأة مظلومة في حياتها، بداية بإهمالها في طفولتها مرورا بالعضل في شبابها، وصولا إلى الخلع إكراها من زوجها والد ابنتها. أضف إليهما التمييز العنصري بين السعوديين وإثارة العصبية القبلية والنعرات واشتراط تكافؤ النسب بين الزوجين فقهيا، وهم بذلك يتهمون الدين في تفرقة هذه الأسرة وتمزيقها، فكيف للحكم الصادر بحقهما أن ينهي زواجا شرعيا بدعوى جاهلية، وقد ثبت أن النبي -صلى الله علية وسلم- زوّج الموالي من أقحاح العرب، ويرددون الأحاديث النبوية الشريفة كـ"لا فرق بين عربي ولا أعجمي..."، و"المسلمون كأسنان المشط..."!، ثم يناقضون تلك القيم العظيمة بأحكامهم.
ومن له يد في هذا الموضوع، وكذلك من له عقل يفكر به، ويدلي برأيه، فكيف يرضى بظلم زوجين لبعضهما، عربيين مسلمين، سعوديين، بحجة عدم تكافؤ نسبهما؟
فمن خلال ما سمعت وقرأت من الآراء حول قصة أم نوف وخلعها من زوجها إجبارا بتدخل أهلها، ولأسباب جاهلية تعسفية، ثبت لي أنه مهما وصلنا من العلم والمعرفة، ومهما وصلنا من عتق الأفكار وتنويرها، إلا أن السطحية وسيطرة العادات والتقاليد القبلية من مئات السنين يصعب علينا كثيرا أن نتخطاها بسهولة.
في "تويتر" قرأت كثيرا من الآراء التي أكدت لي حينها أننا ما زلنا نعيش بأسلوب حياة عتيق جدا، ومثل هذه القضية لم توجد في عصور الظلام في أوروبا، فما زلنا نعيش بسيطرة عقول القرون الوسطى، ولن نستطيع مسحها وإن ادّعينا المثالية.
استوقفني تعبير أحدهم -تبين لي من ملف التعريف الخاص به أن له من العلم والشهادات ما الله به أعلم- عندما انتقد تصرف الزوج بأنه كذب وزوّر في نسبه وهذا جزاؤه، وردا على قوله، إذا كان هذا ذنبه وفي رأيك أنه يستحق الخلع وما جرى له، فما إثم نوف ووالدتها؟ هل من العدل أن تتم معاقبة زوجة قنوعة، وتعريض طفلة رضيعة لحياة مشتتة، لتأتي إلى هذه الدنيا فتستقبلها مشاكل عنصرية ومجتمع طبقي بهذا الحكم؟
ثم إنه ليس من شأنك ولا شأني ولا شأن أحد غيرهما، أن يتم التفريق بين زوج وزوجته، لأن ذوي الزوجة وشيخ القبيلة لهم نظرة أخرى في نسبه، لكن أين هم قبل أن يرتبطا ويكون بينهما أطفال؟ لماذا لم يسأل الأهل ويخبرهم شيخ القبيلة؟ أم أن الموضوع فقط ممارسة سلطة ثقافة ظالمة على شخص ضعيف لا حيلة له ولا قوة.
بينما أنا أقرأ ردود الفعل، افترضت بعض الفرضيات التي كان من شأنها أن تحدث خلافا في مجرى القضية وتساءلت: يا تُرى هل لو أن هذا الزوج شخص ثري فهل سيطالب ذوو الزوجة بخلعها منه؟ لو كان الزوج عنيفا ولا يصلي هل سيطالبون بخلعه؟
يا تُرى لو أن هذه الزوجة هي المسؤولة عن نفسها وولية أمرها، هل تعتقدون أن تصور فيديو تشتكي فيه من ظلم أب لها من الصغر، ثم منعها من الزواج بحجج ليست منطقية، وتناشد فيه أهل الخير أن يقفوا معها، ويعيدوا إليها زوجها وأسرتها؟
أعتقد أنه لو كان الزوج ثريا لربما سعوا واستخرجوا له نسبا، ولو أن هذا الزوج عنيف معها ولا يصلي لقالوا لها اصبري واحتسبي الأجر عند الله لن يخيب رجاؤك. ولو أن الزوجة ولية أمرها فلن يتجرأ شخص على مقاضاتها وتشتيت شمل عائلتها لأنها هي الحكم في أمرها.
أما بالنسبة لمحور القضية "تكافؤ النسب" فلدي مجموعة من الأسئلة، ولك عزيزي القارئ الحرية في إجابتها.
ما النسب؟ ألم نخلق جميعنا من تراب ومرجعنا إلى التراب؟ لماذا هو الأساس في معظم معاملات حياتنا؟ ماذا قدم لك النسب في حياتك؟ هل ظلمك للناس بسبب النسب سيغفر لك يوم القيامة؟ هل نسبك سيميزك عن غيرك يوم الحساب؟
وانطلاقا من ثقافتنا الدينية، فإن المسلم الحق سيقول: لا يهمني نسبك، ولا مذهبك، ولا جنسيتك، ولا لونك، ولا قبيلتك، ولا طقوسك، ولا عاداتك، ولا خياراتك، ولا جنسك. مهما كانت ومهما كنت فأنت أخي، وستبقى كذلك ما لم تمسني بسوء، أو تتجاوز حدودك معي.