حين تسير على قدميك بين أزقة وممرات منطقة البلد بجدة، أو ما يعرف بالمنطقة التاريخية، التي اعتمدتها عام 2014 منظمة اليونيسكو ضمن قائمة التراث العمراني العالمي، تتملكك الدهشة، وأنت تقف في حارة اليمن، إزاء لوحة تحمل "بيت التشكيليين السعوديين"، تعلو واجهة بناية قديمة من تلك البنايات المصنفة بالتاريخية، وقد تحولت إلى ما يشبه "خرابة" بحسب وصف أحد الفنانين، من الذين عاصروا حقبة تأسيس البيت مطالع التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. ليس بعيدا من المكان إذا ما اتجهت شمالا، تجد المنظر ذاته يتكررمع "بيت الفوتوغرافيين" في حارة المظلوم. فأي حفاظ على حيوية المنطقة ثقافيا وفنيا بعد تصنيفها موقعا عالميا للتراث، في ظل هذا الإهمال، وعيون تقارير ومتابعة اليونيسكو ترصد ترميم وتطوير المنطقة وإنقاذها من واقعها الحالي ؟ يتساءل أحد الفنانين، ويحمل المسؤولية ثلاث جهات "هيئة السياحة والتراث الوطني، وزارة الثقافة والاعلام، أمانة محافظة جدة".

 


فكرة إنشاء البيت

أسباب إغلاق البيت ونهاية الحلم في إشاعة نشاط فني بالمنطقة التاريخية، يصفها مؤسس البيت وأول رئيس له الفنان طه صبان بالمؤلمة، موضحا لـ"الوطن" بقوله: أمين مدينة جدة الأسبق المهندس  محمد سعيد فارسي هو صاحب فكرة إنشاء بيت الفنانين التشكيليين السعوديين، تبرع لنا بالمقر، ودعمنا، إضافة إلى دعم عدد من رجال الأعمال حينها، ومن أبرزهم عبد المقصود خوجة، وعبد الروؤف خليل (رحمه الله)، وانطلقنا في العمل، وساعدنا الموقع في تقديم نشاطات، وأذكر أنني نفذت جدارية بمشاركة الفنان المصري الدكتورعبد السلام عيد. وأوجدنا حراكا طيبا كان يمكن أن يستمر ليمنح المكان والمنطقة بعدا فنيا وثقافيا هي أحوج ما تكون إليه، خاصة بعد اعتمادها ضمن قائمة اليونسكو.

 


التخلي عن الحلم

يقول طه صبان بعد 18 عاما، اضطررنا تحت طائلة ضغوط مالية إلى تسليم البيت، الذي كان عقد إيجاره موقعا باسمي، فسلمته للوكيل الشرعي للفارسي الذي قال لي "سلم البيت، حتى لايطالبك ورثة الفارسي يوما ما بإيجارات السنين"، فسلمته واستقلت، ثم اقترح البعض أن يرأس البيت الفنان الراحل عبد الحليم رضوي رحمه الله، الذي كان متفرغا لفنه، وليس لديه وقت للإدارة، فانتقل البيت لمركز تجاري شمال المدينة، وتعاقب على رئاسته عدد من الزملاء الفنانين، لكن بعد فترة، وبعد انتقال الإشراف على البيت من رعاية الشباب إلى وزارة الثقافة، تقلص نشاطه حتى توقف، بسبب محدودية الدعم المادي، فالفنانون لا يستطيعون تحمل مصاريف التشغيل وتنظيم الفعاليات والنشاطات، فهذا الدور منوط بالمؤسسات الحكومية كوزارة الثقافة والبلديات على غرار ما هو معمول به في كل دول العالم، التي أدركت واستوعبت دور وأهمية حضور الفن كجزء رئيس من حركة المجتمع، يلعب  دورا محوريا فيه، ويختلف هذا الجزء مع اختلاف ثقافة ذلك المجتمع وظروفه المادية والاجتماعية، عاداته، تقاليده. في المجتمعات المتقدمة من النادر جدا أن تجد ميدانا أو شارعا يخلو من عمل فني، سواء لوحة أو تمثال أو تكوين فني، البيوت الفنية تنتشر في الأحياء القديمة، ناهيك عن الجاليريهات الحديثة، هذا ما كنا نحلم به هنا، وأظننا لن نتخلى عن حلمنا.