يوسف طفل في العامين من عمره، أبيض البشرة -وكما يقولون "البياض السعودي"- ونكتشف أخيرا أنه يميل للون القمحي الفاتح، له شعر يميل للون البني المتوسط، وطوله لا يتعدى عود القرنفل، يعبث هنا وهناك، ويسقط هذا ويكسر ذاك، يتنقل كالنحلة من مكان لآخر. وكأنه بين الأزهار يكوّن الرحيق ولا يدري أنه ترك وراءه دمارا شاملا، حتى ضاق بي مما أراه، فلم أعد أميّز ما قام به وما سيقوم به وهل هو خطر أم لا!

وما إن أمسك طفلي بمنديل واحد ليأخذه إلا وزجرته وعنفته، وهو ينظر إلي بكل براءة ودهشة توالتها صرخات الفجعة، فالتفتت لي سيدة فاضلة أُميّة قد تعلمت من الأحرف الشيء البسيط لتساعدها في قراءة كتاب الله، وقالت لي: "دام اللي بيسويه مايضُّره اتركيه، بس نبهيه على شيء ممكن يضره".

استوقفتني كلماتها، وكأنها صفعة أيقظتني من جهل تعليمي المثقف، حكمة المرأة العجوز جعلتني أراجع حساباتي وتقييم كل حركة قام بها طفلي، ولأول مرة في حياتي أكتشف حينها أن المنديل الذي أخذه يوسف لا يشكل ضرراً عليه!

لا أعلم الآن وبعد اكتشافي هذا أأضحك أم أبكي على تعليمي وثقافتي التي أصبحت نقطة في بحر أمام حكمة هذه السيدة.

وما إن اتبعت نصيحتها في التربية إلا وأصبح ذلك الطفل كالخاتم في إصبعي، وعَلِمَ متى أزجره وأين خطأه، مرة على مرة حتى تملكت زمام الأمور.

تلك الأمور التي تتلاطم بين أركان المنزل، مرة بيد المرأة ومرة بيد الطفل، الطفل الذي سيصبح مستقبلاً رجلا وزوجا، وإن عشق سيعود طفلاً، وهي إن عشقت ستصبح أماً، فإن كانت جميلة جذبته وإن كانت حنونة ستأسره مدى الحياة، فلا يخلو بيت من طفل صغيرا كان أو كبيرا.

شكراً لك سيدتي فبك تنهض أمم.. كم أعشق كبر سنك وحكمتك.