بعض تصريحات بعض معالي الوزراء تجعلك تائهاً في تصنيفها، فلا تدري هل هي خبر أم رأي، أم تصريح لمعرفة قدرة المواطن على مواجهة الاستفزاز، وننوه إلى أننا استخدمنا كلمة (بعض) مرتين في بداية المقال، و(التبعيض) ليس أكثر من رفع عتب (قانوني) إن صحة التسمية، وإلا فإننا نستخدم كلمة بعض ونقصد فيها الكل، لكننا نلجأ لذلك هروباً من شتيمة (لا تعمم) و(التعميم لغة الحمقى) وسلسلة طويلة من المقولات المثالية لشعب يؤمن بأن الحقيقة يجب ألا تقال متى ما كانت (تفشّلنا قدام الآخر)، وكل خطأ هو حالة فردية لا تمثل أحداً (الله على فردانية هذا المجتمع!)، وهذه قد تكون صحيحة عندما تكون ببرنامج حواري مثل كل – أقصد بعض!- برامجنا الحوارية التي تجمع عدداً من الإعلاميين وتسميهم الخبراء ليرددوا أسئلة المواطنين بصوت عال على (الهوى) مباشرة، فالخبير يأتي بالأسئلة من الناس ليخاطب بها الناس ليقول إنه ينقل همومهم، أين الخبرة في الموضوع؟
لكني أجد لذلك مبرراً لأن البرامج تريد إعلامياً مشهوراً، والشهرة تتطلب أن يقول الإعلامي للناس ما يريدون أن يسمعوه، وليس شرطا أن يقول الحقيقة، ما لا أجد له مبرراً هو أن يحاول مسؤول أن يلغي وجود مشكلة ناصعة كأنها الحقيقة، ونفي الحقيقة المُرة لا يلغيها، فقط يزيدها مرارة، سيّما إن كانت هذه الحقيقة تمس رغيف المواطن، ومثال على هذا تصريح معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الأسبوع الماضي للجزيرة، حيث (نفى تأثر عمّال الشركات جرّاء الأوضاع الاقتصادية)، وهذا -بالتأكيد- ليس رأياً لمعاليه، فالوزير ليس إعلاميا يحدث ببرنامج حواري، وأربأ بالوزير أن يكون تصريحه بقصد استفزازي سيّما أنه قال التصريح بعد أن أبلغتنا الشركة المتوسطة التي نعمل بها -بشكل لطيف- أن نكون مستعدين في الفترة القادمة للتفاهم حول تقليص عدد الموظفين وتقليص الرواتب جرّاء الأوضاع الاقتصادية، وبالطبع كلام معاليه ليس معلومة صحيحة نبتهج بها ونواجه بها الشركة، وكي لا أقع بما وقع فيه فإن بيني وبينه التأمينات الاجتماعية، فرغم أن الحصول على تقرير يوضح عدد الاشتراكات التي توقفت يسهل عليه طلبه، ويصعب علي، إلا أنني من هنا أرضى بما يصله من التأمينات، فإن كان كما أقول فإنني لا أطلب من معاليه سوى التراجع، وإن كنت مخطئاً فإنني سأقنع الزملاء في الشركات (تمزح معنا) لا أكثر!
تأثر العمّال وقبلهم الشركات متوقع جداً حتى عند العمال أنفسهم لأسباب معروفة للعامل البسيط، وله أسبابه التي يتفهمها ويدركها الجميع بمن فيهم العامل المتضرر نفسه، والكل يتفق أنها أشبه بالعملية الجراحية التي تكون مؤلمة لكنها ضرورية ليعود الجسد أكثر عافية وقوة، فلا يوجد مبرر للتنصل منها ونفيها، نحن في مرحلة تنفيذ رؤية مهمة شاملة للبلد، ونحن كمواطنين مدركون أننا لا بد أن نتنازل الآن لأجل مستقبل أفضل، المهم أن لا نخدش زجاج الرؤية ونتخلى عن الشفافية التي عدّها عرّاب روية 2030 الأمير محمد بن سلمان من أهم ضروريات تنفيذ الرؤية، فعدم الشفافية معناه تعتيم الرؤية لا سمح الله، وأن ندرك أن تأثر العامل في هذه المرحلة ليس أمرا سلبيا أو معيبا، فمصلحتنا من التأثر المؤقت أملا في رخاء قادم هي فكرة لن نتخلى عنها.