العبارة أعلاه متعددة الأبعاد، كثيرة المعاني، عميقة الدلالة والتفسير، أطلقها حكيم شعبي ساخر، يعرفه سكان منطقة "عسير"، يقولها تعبيرا عن ضيقه وتبرمه من بعض مواقف القصور المجتمعي، وتراكمات "الهياط" وفذلكات وفلسفات بعض المتعالمين، واختلال الموازين، وارتفاع منسوب الفشل وسقوط الأقنعة. العبارة تخضع للنظرية "التفكيكية" كما يبدو بكل حمولاتها وتمثلاتها المعجمية، فـ"الخريط" نبات لا يحيا إلا وسط المياه، و"الخروط" الذي يتهور في الأمور، ويركب رأسه في كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة، وغيرها من التعريفات؛ و"السريط" لا معنى لها في بطون المراجع والمصنفات، ولكن يبدو أن "التصحيف أو الإبدال" أصابها، فالأصل أنها "مريط" وليس "سريط"، والمريط السهم الذي لا ريش عليه، وقد تكون "سليط" وهو الزيت المعصور أو دهن السمسم، كما تقول العرب.
يتعمد الفيلسوف الشعبي إطلاق هذه المقولة غير المأثورة ببراعة وسخرية لاذعة واستخفاف دون تكلف، فالمقولة صالحة لكل زمان ومكان، فلو أخضعتها بكل ملفوظها الحامض لوجدتها مطابقة للحال والواقع. تابعت حوارات أهل الأدب حول مؤسساتهم ولائحتهم وجمعياتهم العمومية، وانتخاباتهم القبلية، وهذا الركام من التنظير والطروحات والمداولات، فقلت قولة صاحبنا "خريط سريط"، وكلما أصغيت إلى بعض الأبواق الحاقدة، والموظفة للردح والفجور للنيل من مكانة بلادي ودورها التاريخي في قيادة العالمين العربي والإسلامي، ضحكت وقلت: "خريط سريط" موتوا بغيضكم، وكلما قرأت في النقد والمدارس النقدية مصطلحات "البنيوية، التشريحية، الألسنية، الذرائعية، التداولية، النص المعمى، التحويلية، الديالكتيكية، السيمائية"، وغيرها من مدارس الغموض والتعمية، قلت: "خريط سريط"، وكلما قرأت في"الشعر" وأسلمني ذلك الشاعر لعالم من الخيال السريالي والمبالغة المتوهمة كقوله عن حبيبته: "ولو تفلت في البحر والبحر مالح... لصار أجاج البحر من ريقها عذبا"، ليتها فعلت لكي نتوقف عن مناشدة ومساءلة المسؤولين في "وزارة المياه والكهرباء" عن مصير طيب الذكر "مشروع المرحلة الثالثة من توسعة المياه المحلاة والطاقة لمنطقة عسير وجازان"، لكنها أحلام الشعراء، وهواجسهم و"خريطهم وسريطهم"، ولو تتبعنا هذه المناكفات والمساجلات في "المجلس البلدي" لمدينة "أبها" المكرسة للسلبية، والانتصار للذات تحت ضغط انفلاتاتهم الكلامية، المعطلة للتنمية، مما أدخل المجلس في متاهات ومزالق ضبابية لا نرتضيها، وأفقدته توازنه ودوره، رغم معرفتي لبعض أعضاء المجلس وما يحملونه من نقاء ووعي وحيوية طموحة، ونوايا حسنة، وحب للأرض والإنسان، ولكن هذا لم يمنعني من خلال متابعتي للمشهد البلدي وصراعاته المريرة، أن أقول بكل ضيق وملل "خريط سريط".