انتهى اجتماع لوزان حول سورية دون أي نتائج تذكر، يمكن كتابة هذه العبارة قبل الاجتماع أو بعده لا فرق، كما يمكن كتابتها بعد الاجتماع القادم سواء عقد في جنيف أو لوزان أو غيرها.
وعدم توصل الاجتماع لأي نتيجة تذكر كان أمراً متوقعاً من جميع الأطراف، وقد عبرت المعارضة السورية بوضوح عن عدم انتظارها أي شيء يمكن أن يسفر عنه الاجتماع، فيما عبر النظام بطريقة أوضح، حيث استمر قصفه لحلب ومناطق أخرى في حماة وريف دمشق أثناء انعقاد الاجتماع، ما هو غير متوقع كان انعقاد الاجتماع بالأساس، فالأزمة السورية تشهد منذ أسابيع ما يمكن تسميته مرحلة انسداد الأفق، وقد سقطت الهدنة التي اتفق عليها الروس والأميركان سريعاً، بعد أن أنفق وزيرا الخارجية الروسي والأميركي عشرات الساعات وهما يحضران لها، وفور انهيار الهدنة استأنف الطيران الروسي وطيران النظام قصف حلب بطريقة غير مسبوقة، وقد افتتحا قصفهم هذا بتدمير قافلة مساعدات إنسانية نصت اتفاقية الهدنة على وصولها للمناطق المحاصرة.
والأكثر غرابة من انعقاد مؤتمر لوزان هذا هو رهان البعض على نجاح هذا اللقاء مستندين إلى قضايا أقرب لتفسيرات المنجمين، فقد قيل إن الحلول عادة تأتي حين لا ينتظرها أحد، وإنها تأتي بشكل مفاجئ ومخالف للتوقعات، وهذا التوقيت مناسب تماماً لمخالفة التوقعات، فقبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الأميركية، وفي ذروة التصعيد العسكري في الشمال السوري، وفي ظل قرع الروس لطبول الحرب، وترديد إعلامهم الحكومي منذ أيام أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، في ظل كل ذلك لا بد أن اللاعبين الكبار يحضرون شيئاً ما في الخفاء، وفي لوزان سيظهر للعلن.
وأيضاً تسرب عن مكان انعقاد الاجتماع أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري طلب من المنظمين تحضير قاعة لعقد مؤتمر صحفي تحسباً لخروج الاجتماع بنتيجة مفاجئة، واللافت أنه طلب تجهيز القاعة نفسها التي أعلن منها التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، ونسيت هذه التحليلات أن تذكر ما هو برج وزير الخارجية الأميركي وبرج الوزير الروسي، ومؤشرات الفلك في هذا اليوم لتطابق البرجين.
واختيار لوزان لعقد هذه الاجتماع أمر له دلالاته بالفعل، ولكن ليس على طريقة منجمي الأبراج، بل بمعنى استعادة التاريخ، وتجارب هذه المدينة في استقبال مؤتمرات السلام، ففي التاريخ القريب عقد مؤتمر شهير لإيقاف الحرب الأهلية اللبنانية، شاركت فيه جميع أطراف الحرب ورعته الدول صاحبة النفوذ آنذاك وعلى رأسها ـ للمفارقة ـ كانت سورية، واعتبر الاجتماع ناجحاً بمقاييس ذلك الوقت، فقد توصل إلى ما سمي وقتها (اتفاق إطار يعطي الأولوية لوقف إطلاق النار، ويقر عودة الجيش إلى ثكناته، وتشكيل هيئة لمراجعة الدستور) ونقطة الضعف الوحيدة في ذلك الاجتماع هو إنه عقد في عام 1984، أي استمرت الحرب الأهلية سبع سنوات بعد "نجاحه".
اجتماع لوزان الآخر الأقدم تاريخاً والأكثر أهمية، كان بين الدول الأوروبية وتركيا بعد سقوط الخلافة العثمانية واستلام كمال أتاتورك السلطة، وكان الهدف منه التفاوض مع تركيا الجديدة لإلزامها بالاتفاقيات القديمة مع الدولة المنحلة، وقد استمر ذلك الاجتماع عامين تقريباً، واستمرت الجولة الأخيرة منه قرابة ثلاثة أشهر.
لا نريد أن نقول إن لوزان فأل سيئ، وإلا فإننا نكرر طريقة أولئك المنجمين الذين استشهدنا بهم، ولكن العودة للتاريخ لا سيما القريب منه قد تكون مفيدة لإعطاء مؤشرات ودلالات، ولتنبه المفرطين في تفاؤلهم إلى ما يجري في الواقع والذي لا يتطابق مع رغباتهم وآمالهم، وتطلعاتهم النبيلة.
والتذكير بنجاح مؤتمر لوزان لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، هو تذكير بكم الجهد والوقت اللذين علينا أن نبذلهما كسوريين لنضع حداً لهذا الموت الذي يدور حولنا كالعاصفة، لا أن نترك للآخرين الاجتماع بالنيابة عنا، والنقاش حول مصيرنا ومستقبلنا وحياتنا، ونجلس نحن لنشاهد التلفزيون، وننتظر ما سيقوله وزير الخارجية الأميركي أو الروسي حول موتنا وحول الحرب في بلدنا، وكأننا ننتظر قرعة كأس العالم أو إعلان اسم الفتاة الفائزة بمسابقة ملكة جمال العالم.
ستبقى كأس الموت دائرة في بلادنا، وستبقى تجر معها الفقر والدمار والتفكك ما دامت ممسوكة بأيدي الآخرين، فهل يكون فشل لوزان فرصة لنا نحن السوريين من جميع الأطراف لنقف مع أنفسنا وقفة مراجعة؟