حفل التراث العربي بأنواع شتى من التأليف، فلم يدع المؤلفون موضوعا لم يكتبوا فيه، فقد ألفوا في الموضوعات الجادة في دقائق العلوم والفنون ولم يغفلوا الموضوعات الطريفة، كما خصوا كل موضوع بتأليف، وكل مسألة بمصنف، وكل فن بكتاب أو رسالة، في جد أو هزل.




كتب الطبخ قديما

اشتهر عصرنا الحاضر بكثرة التأليف والإقبال على كتب الطبخ والأطعمة وشاعت أنواع مختلفة منها شعبية ومترجمة، إلا أن الاهتمام بهذا النوع من التأليف ليس من سمات هذا العصر فقط، فقد كانت للعرب عناية بالتأليف في الأطعمة وفوائدها واستطباباتها، كما أولوا الطبخ اهتماما بالتصنيف، ومن أشهر هذه الكتب: كتاب الطبخ لإبراهيم بن المهدي، وآخر لابن ماسويه، وكتاب الطبخ لإبراهيم العباس الصولي، وكتاب أطعمة المرضى للرازي، وألفية الطعام لعامر الأبنوطي، وكتاب الطعام والإدام لمحمد بن بن عبدالله الحراني، ورسالة في أنواع الأطعمة وكيفية طبخها لتاج الدين النقشبندي، وكتاب ضوء الصباح في المآكل الملاح وهي منظومة لعبدالله موسى الدهمراوي، وليوحنا بن ماسويه كتاب خواص الأغذية والبقول والفواكه والألبان وأوضاع الحيوان والأبازير والأخاويه.

أما كتابنا هنا "فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان" فهو صورة من فن الطبخ في الأندلس والمغرب في بداية عصر بني مرين، ومؤلفه أبوالحسن علي بن محمد بن أبي القاسم محمد بن أبي بكر بن رزين التجيبي الأندلسي، الفقيه الأديب الكاتب، وحقق الكتاب وقدم له محمد بن شقرون، وأشرف على إعداده الدكتور إحسان عباس.




الاهتمام بالأغذية

يقول المؤلف في مقدمة كتابه "فإن مما يهتز إليه الكريم الاهتمام بالأغذية التي هي قوام صحة الأبدان، وأول الأسباب في اعتدال مزاج الإنسان، والتأنق في طبخها على ما تقتضيه الصنعة المجربة من الأحكام والإتقان، لا سيما من كرم شيمة، ووقى شح نفسه فتحلى بالسخاء نفسا كريمة، ممن يعيش لضوء ناره، ولا يخفر بذمة جاره، ويوسع في بيته سعة صدره، ورضي النصف في قدره، كما لا يرضى إلا الدفع في قدره، والمقدمة التي لها الفضل "نعم الإدام الخل"، والبركة في الثريد، وقد ألفت كتابي هذا من أنواع الطبخ في هذا الشأن، واستوفيت فيه ما استحسنت واخترعت من كثير الألوان، أتيت فيه من الأندلسيات بكثير، واقتصرت من المشرقيات على المنتخب اليسير، وأضفت إليها من المعلوم المشهور كل ما يدخل في أصناف الطبخ أو يتعلق به على الخصوص والعموم: كالكوامخ والخلول، وغير ذلك مما أودعته في كثير من الفصول".







القطايف العباسية

من النماذج التي أوردها المؤلف عمل "القطايف العباسية"، حيث قال: يحرك السميد بالماء السخن والملح والخمير، ويدرس سكر ولباب لوز، ويطيب بالأفاويه المعلومة ويسير ماء ورد، فإذا طبخت القطائف طبخها المعلوم يحل النشأ بالماء ثم تحول كل قرصة منها ويوضع الحشو المدروس فيها ويضم عليه أطرافها، بحيث تكون أثقابها من خارج، ثم تغمس الأطراف في النشأ المحلول وتقلى في مقلاة بالزيت العذب حتي يعقد من حينها، ثم تخرج برفق وتسوى في صفحة ويذر عليها سكر وقرفة وسنبل ويسير من دهن اللوز، وإن تهيأ قليها في دهن اللوز فهو أحسن، وتستعمل.

وقد يدرس اللوز ويجفف كالسميد، ثم يدرس مع مثله من السكر الأبيض ويضاف إليه قرنفل وسنبل، فإذا طبخت القطايف في الطاجن يذر عليها الحشو المدروس، وتطوى كل قرصة على ما في طيها كأنها نصف دائرة، ثم تلصق أطرافها بعجين محلول بماء ورد وتقلى في زيت طيب حتى تحمر، ثم يجفف عنها ذلك الزيت الذي قليت فيه وتوضع في ماء يغمرها من شراب ورد أو شراب جلاب أو شراب مصطكى، وتستعمل، وقد توضع الأقراص واحدة على أخرى والحشو بينها، وتضم أطرافها بالعجين، وتقلى في المقلاة حتى يحمر وتستعمل إن شاء الله تعالى.


الأطعمة المغربية

اهتم المؤلف بذكر الأطعمة المغربية، فذكر منها عددا في كتابه هذا فاستحسن منها ما استحسن واستقبح منها ما لم يعجبه، وقارن بينها وبين أطعمة بلاده فقيمها وعلق عليها بعبارات وجيزة، ومن هذه الأطعمة "كسكسو"، والعصيدة، والكلية، والمرقاس، والخبيزات، والأحرش، والبرانية، والسنبوسك، والإسفنج، والبديعة، والكنافة والقطائف، وغيرها من ألوان الأطعمة.