كان هناك شيئان فقط حفظا ليز موراي من حياة الإدمان التي انغمس فيها والداها وحولت المنزل إلى كومة من القذارة لم تسلم منها ليز التي يسخر كل يوم الأطفال من رائحتها القذرة.
الأول كان حبها لأمها الذي قالت إنه ظل في قلبها رغم كل شيء حتى وهي غير متأكدة أن أمها تبادلها الحب، والآخر هو حب القراءة.
اللحظة التي أهدتها جارتهم العجوز موسوعة علمية وجدتها في برميل قمامة قلبت حياة ليز.
ليز تقول عن معلميها في المدرسة إن كلماتهم كانت تقع على الأرض قبل أن تصل إليها، عكس معلميها في الكتب الذين تصل كلماتهم دائما إلى قلبها تماما.
في الحقيقة البيت القذر لم يصمد طويلا، فالوالدان أصيبا بالإيدز وانهارا سريعا، وأرسلت ليز وأختها إلى ميتم ثم إلى بيت جدها لأمها.
كانت ليز تعرف أن جدها سيئ السمعة، خاصة مع الأطفال، لذا منذ اللحظة الأولى لمحاولته التحرش بها هربت إلى الشارع وأصبحت تهيم كأي متشردة.
مرت فترة طويلة وهي في الشارع مع عصابة من المراهقين، لكنها استمرت تقرأ حتى قرأت خبر جنازة أمها، فقررت حضورها عند القبر، قررت أن تفعل شيئا يغير واقعها التعيس، وهو أن تحصل على الثانوية.
تقدمت إلى مدرسة للطلاب الذين في مثل ظروفها، لكنها كانت تحتاج إلى عنوان، وهي ليس لديها عنوان.
استطاعت أن تتدبر الأمر وأذهلت المدرس الوحيد، وأقنعته بقبولها. كان المدرس يتفاجأ كل يوم بوجودها قبل الجميع، ولم يعرف أنها تنام في المترو، حيث يقطع المدينة أربع مرات ثم يعود إلى المكان الذي أخذها منه في الصباح الباكر فتغسل وجهها وتمضي.
تقدمت ليز إلى منحة تقدمها إحدى الصحف للدراسة في هارفرد وأقنعت اللجنة بجدارتها، قالت لهم إنها متشردة، وليس لديها والدين، لكنها حصلت على أعلى الدرجات.
فازت ليز ونجحت في هارفرد وأصبحت تحاضر في الجامعة وحصلت على درجة الدكتوراه، وتقدم الآن محاضرات للشباب تحكي تجربتها، وكيف صنعت نفسها وغيرت حياتها من مجرد متشردة إلى أستاذ في أهم جامعة في العالم.
قصص هروب الفتيات في العالم كثيرة جدا، بعضها لا ينتهي كنهاية ليز موراي، بل مثل نهاية الفتاة المسماة توباكي.
توباكي لمن لا يعرفها فتاة سعودية، عرف أنها كانت طالبة ذكية في المدرسة هربت بطريقة ما إلى أميركا، لكن يبدو أنها ضحية سجن داخلي لا علاقة له بالأماكن، فهي رغم وجودها في أميركا ترسل سنابات وتغريدات تدل بوضوح على أنها أسيرة معاناة سابقة لم تجد ما ينقذها منها عكس ليز موراي.
ربما كان ذلك بسبب طبيعة شخصيتها، فهناك بشر لا يستطيعون الحياة في الحاضر دون التخبط في الماضي، لكن أيضا توباكي لم تجد مؤسسات تحتضنها، فمع كل هذا البكاء في النت وإعلان الانتحار والتراجع عنه لم تلتفت جهة حكومية إليها، لذا أوجه تساؤلا كبيرا إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأن توباكي هي ابنة السعودية ووجودها خارجها لا يفقدها جنسيتها، أين دوركم من الاتهامات التي وجهتها إلى من تدعي أنه دمر حياتها بانتهاك طفولتها واغتصابها؟ لماذا تتجاهلون هذه القضية وهي من صميم واجبكم ودوركم؟