لم أخطط لأن يكون يوم الخامس من أكتوبر الجاري يوما تاريخيا أو يوما مميزا في مسيرة دعمي للإنسان، تلك الرسالة التي كانت هي الهدف خلال كل أعمالي التي أقوم بها، سواء كانت اجتماعية.. إنسانية أو خيرية أو تطوعية أو حتى عملية.
يوم الخامس من أكتوبر وبعد تفكير استمر ما يزيد عن الخمس سنوات والنية نحو حلق شعري بالكامل، مساندة مني ودعما لمرضى السرطان في شهر التوعية العالمي بمرض سرطان الثدي.. استيقظت وغادرت منزلي إلى مركز التجميل في مدينة لاهاي في هولندا بعد حجز موعد من أجل حلق شعري بالكامل ونشر المقطع في حسابي الشخصي على برنامج سناب شات، وهنا تنتهي القصة التي اعتدت يوميا أقدمها لهم.. قصة ذات محتوى مفيد ونافع ومختلفة التي قد تكون: (رحلة أو فعالية أو تغطية أو شخصية أو مدينة وقد تكون يومية هادفة من يومياتي الحياتية)..
في يوم الخامس من أكتوبر قدمت قصة حلق شعري، والهدف هو إرسال رسالة صغيرة مزدوجة، رسالة إلى مريضة السرطان أقول لها: إنني أقف معك وأساندك بنصف الجمال الذي أملكه وهو شعري.. وهو أغلى ما أملك.
ورسالة للأصحاء أقول لهم: إن من لديه فائضا من المال أو الوقت أو الجهد أو الحب أن يمنحه لمن يحبه.
بعد نشر المقطع جاء إصرار كثير من الأهل والأصدقاء والزملاء الإعلاميين على نشر المقطع في باقي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن صفة برنامج السناب شات هي عدم الدوام وخلال 24 ساعة ستختفي كل الفيديوهات.. حيث رأى الكثير منهم أنها مبادرة تحتاج إلى أن تخرج إلى النور أكثر، وهي عمل خلاق وملهم ومؤثر، بالفعل قمت بنشر تغريدة أقول فيها: (فعلتها اليوم.. حلقت شعري مساندة معنوية مني لمرضى سرطان الثدي) ونشرت معها صور حلق شعري بالكامل.
ومنذ الساعات الأولي لنشر المقطع بدأت تتوالى الرسائل والفيديوهات والتسجيلات الصوتية.. المؤيدة والتي تبارك هذه الخطوة التي تدعم وتساند وتؤازر مريضة السرطان في أشد مراحل المرض الأكثر إيلامنا وهي لحظات تساقط خصلات الشعر.
يذكر أنني أصبت بورم عام 2001 احتار الأطباء في بداية اكتشافه في نوعه.. وفي ذلك العام كنت أقل وعيا وأكثر خوفا.. فكان الهاجس الأكبر ماذا سيكون مصير شكلي؟ وكيف سأحتمل ألم تساقط خصلاته إلا أن الله لطف وسلم وكان ورما لم يعرف الأطباء نوعه، لكنهم استطاعوا التخلص منه وإزالته ولم تكن هناك حاجة إلى جرعات الكيماوي التي معها يفقد مريض السرطان الشعر.
وقد استفدت من هذه التجربة كثيرا في مجملها، وإن كنت أحب أن أشير هنا إلى بعض الصحافة الصفراء التي لم تتحر المصداقية، فقيل عني إنني قد أصبت بمرض سرطان الثدي، وأخرى قالت إنني أعاني منه حاليا، وكلاهما خبران عاريان من الصحة.. حيث سلقت البيض هذه الصحافة دون الرجوع إلى المصدر وتحري الدقة والمهنية في نقل الخبر.
وفي الحملة المضادة التي كانت عبارة عن بعض من الأفكار المختلفة معي، ولكن جاء البعض صوتا ضعيفا اعتمد أسلوبا رخيصا في استخدام لغة جارحة وساخرة وبكلمات تهاجم ما قمت به.. وقد التزمت الصمت إيمانا مني بأن كلا منا يستطيع التعبير عن رأيه في ظل ثقافة احترام المختلف دون ابتذال أو تسفيه أو تحقير.. علما بأن ما قمت به عمل فردي لم أجيش له الجيوش الإعلامية أو حشد الأفراد من خلفي.. في النهاية يظل عملا شخصيا من منظور شخصي.. يدخل في دائرة الوقوف والمساندة لمن يحتاج له.
وإذا كانت رسائلي الصغيرة التي أرسلها قد وصلت وهذا يبدو واضحا وجليا لي وللمجتمع وللإعلام، وبنسبة كبيرة من خلال صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي وبريدي الإلكتروني وهاتفي الشخصي.. وردود الفعل في الشارع.. بل تواصلت معي جهات إعلامية خليجية وعربية، لكن أيضا كانت هناك رسائل تحدثت بها وأعلنتها من خلال كثير من الصحف الجادة ومحطات الإذاعة المختلفة التي أخذت الخبر مني، وهي: أن المرض أجبن من أن يقتل ابتسامة مريض متفائل يثق بالله ولديه يقين كامل بأن القادم أجمل.. ويعمل من روح تواقة للحياة وأن فيها ما يستحق أن يعيشه.. وأن رحلة الحرب مع المرض يعلنها وينتصر فيها المريض.. من خلال روحه وأمله.
العمل على لفت الانتباه المجتمعي والذي قد يأتي صادما أو قد يراه آخرون غريبا أو عجيبا.. يحتاج كثيرا من الشجاعة والقوة والقدرة على اتخاذ القرار.. هذا ما كنت أحتاج له طيلة السنوات الخمس الماضية من أجل قرار جاء سهلا وبسيطا لكنه للأسف تأخر كثيرا.. فاق صداه التوقعات.. ورأى الكثيرون أنه مؤثر وملهم، وأكثر من ذلك محفز للكثيرين للقيام بعمل يخدم كل محتاج من حولهم.. وبدأ منهم يفكرون بطريقة جادة بتقديم ما يفيض لديهم من مال وخير وحب ووقت وجهد من أجل أخيهم الإنسان..
لنعمل جميعا على أنسنة إنسانيتنا.. التي قد نفقدها في ظل العالم وما يجري حولنا من توحش.