ارتبط وجه المعلم بالصباحات وبالشروق، حتى غدا جديرا بأن يكون سيد الصباحات وشمس الكون التي لا تغيب. لا أقول ذلك بروح إنشائية إنشادية، بل بشعور حقيقي بالامتنان لمعلمي الناس الخير.
لا أحد منّا يستطيع أن يجحد المعلم حقه، أو يدّعي أنه مضى في هذه الحياة وذاكرته خالية تماما من صورة معلم، أو من معلومة كان يجهلها فأبانها له معلم.
لأجل ذلك يحتفي العالم كل عام بالمعلم، في الخامس من أكتوبر، فيتغنى الطلاب عندنا في إذاعاتهم الصباحية بأبيات أحمد شوقي الشهيرة، وقد يوزع بعض المديرين الحلوى، وربما أقام الأوفياء منهم حفلا على شرف معلم قديم، وقليلا ما تكرم الوزارة أحد الأساتذة أو المعلمين المميزين في هذا اليوم؛ لكن السؤال المهم هو: هل هذا التكريم هو ما يليق بالمعلمين؟
يُروى عن طريق التواتر الإعلامي عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -حين طلب القضاة في ألمانيا مساواتهم بالمعلمين في مخصصاتهم المالية وامتيازاتهم الوظيفية- قولها: "كيف أساويكم بمن علموكم؟!"، ويُروى أيضا عن رئيس وزراء اليابان -حين سئل عن السر في نهضة بلاده- قوله: "منحْنا المعلم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي، وإجلال الإمبراطور"، فهل نترك لألمانيا واليابان وغيرهما من الدول فرصة السبق إلى تفهّم تلك المعاني الإنسانية السامية، مثلما تركنا لهم فرصة السبق في كثير من العلوم التي نقلها إلينا معلمونا؟
إذا نظرنا إلى المعلم من منظور رؤية المملكة 2030، فلا شك أننا -والدولة أحرص منّا على ذلك- سنؤكد على منح المعلمين والأساتذة الجامعيين كثيرا من الامتيازات التي تليق بعلمهم وعملهم، وأن نطلب من الجهات المسؤولة التروي في النظر إلى حقوقهم المالية، وإعادة النظر في مطالباتهم القانونية، بعد أن أغلق ملف معلمي "بند 105" بلا حلول.
فإذا قصدنا أضعف الإيمان، وتبنينا المثل القائل "ما فات مات"، فإننا على الأقل أمام مسؤولية عدم تكرار الضرر بهؤلاء المعلمين الذين نفتح أعيننا على وجوههم كل صباح، لتتفتح لنا أبواب العلم والتنمية والبناء.
فحين يزعم بعض البيروقراطيين من المديرين ورؤساء الأقسام في الجامعات، أن الإجازة الاضطرارية للمعلمين والأساتذة الجامعيين؛ وقدرها 5 أيام، بعد تقليصها منذ عدة سنوات بعد أن كانت 10 أيام، تدخل في قرار إلغاء الإجازة الاضطرارية الصادر في الأوامر الملكية الأخيرة، فلا بد أن تتدخل وزارة التعليم لتجلو هذا اللبس، وفق ما نص عليه الأمر الملكي الذي ذهب إلى أن الموظف يحصل على الإجازة الاضطرارية من نصيبه الاعتيادي، وهو ما لا ينطبق على المعلمين الذين لا يملكون إجازة اعتيادية.
مثل ذلك -أيضا- يمكن أن يقال عن حذف بدل التدريس والعبء التدريسي ومكافأة الحاسب الآلي عن المعلمين والأساتذة الجامعيين، رغبة في مساواتهم مع غيرهم من الموظفين المدنيين؛ وهي مساواة تحتاج إلى إعادة نظر؛ فالمعلم يعمل منفردا بلا مساعد، في حين يحظى بقية الموظفين المدنيين من أطباء ومهندسين، وحتى موظفي الإدارات والدوائر الحكومية، بمن يساعدهم في أعمالهم؛ فإلى جوار الطبيب ممرضة وطبيب مساعد، وإلى جوار المهندس فنيون وعمّال، وفي القسم الواحد في الدوائر الحكومية المدنية عدد من الموظفين لإنجاز العمل، أما المعلم فيقف في الصف منفردا بلا مساعد، يعلّم ويربي ويدير الصف، وهو -فوق كل ذلك- يمارس أعمالا إدارية لا تقع في اختصاصه التعليمي، ويعمل في مقر العمل وفي بيته أيضا على الحاسب الآلي طوال الوقت؛ فيشتغل بالمنظومة، ويستخدم برنامج نور والبوابات الإلكترونية للجامعات، ويتواصل مع الطلاب عبر تواصل وغيرها من القنوات، ويرصد الدرجات، ويجهز قوائم المتابعة، ويحضّر الدروس بالعروض المرئية والرقمية، ما يجعله مستحقا لمكافأة الحاسب الآلي.
وإذا انتقلنا إلى حذف بدل النقل في الإجازات فسنجد أن المعلم هو الطرف المتضرر من هذا الحذف، لأن إجازاته تبلغ 3 أشهر "إجازة الصيف+ أربعة أسابيع متفرقة أثناء العام الدراسي"، في حين يحذف بدل النقل لشهر واحد فقط عند بقية المدنيين.
يحصل ذلك والمعلم ليس مخيّرا في تلك الإجازات مثل غيره من المدنيين، فالإجازات في صورتها الحالية مفروضة عليه بنظام الدولة وليس له خيار تقديمها أو تأجيلها، كما أنه لا يملك خيار رفضها، ولم يكن ذات يوم طرفا في جدولتها.
نقاشنا هذه القرارات من هذه الزاوية بالذات، دافعه الرغبة الصادقة في نهضة البلاد التي يعدّ حفظ الحقوق ركيزة أساسية من ركائزها، ولا أظن الدولة -أيدها الله- تعترض على نقاش هذه غايته.
وعامة، فإن الأمل ما زال معقودا بتكريم المعلم السعودي تكريما يفوق تكريم ألمانيا واليابان وغيرهما للمعلمين، لأننا بتكريمه والاعتراف بفضله وصيانة حقوقه نصون العلم، ونحفظ توازن عجلة التنمية، وندفع المجتمع إلى الأمام.