في الوقت الذي تمر بلادنا بمرحلة دقيقة من تاريخها، وتتزايد أمامها التحديات من كل صوب، تبرز مشكلة غياب الصوت السعودي في وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بغير العربية، وهو ما تسبب في استعار الحرب الإعلامية ضد المملكة في تزايد التقارير المضللة التي تحاول النيل من جهودها، وتشكك في الجهود الإنسانية التي تبذلها على أكثر من صعيد. ورغم أن الجهود السعودية في هذا المجال واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء لإثباتها، بعد أن أقرت الأمم المتحدة نفسها في أكثر من موضع، وعلى أعلى مستوياتها وأمانتها العامة، بأن الرياض هي أكبر المتبرعين لأنشطتها وبرامجها، إلا أن غيابنا الإعلامي غير المبرر تسبب في تغييب هذه الحقيقة عن الكثيرين، وسمح لبعض المنظمات بإصدار تقارير مجافية للواقع، وأتاح الفرصة أمام المتربصين لتزييف الحقائق.

تأتي حادثة استهداف صالة العزاء في وسط العاصمة صنعاء كحدث جديد، استغلته بعض الأقلام الموالية لإيران، التي استطاعت تجنيد كثير من الشخصيات الإعلامية، لاسيما في الدول الغربية المؤثرة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وجيَّرت كتاباتها –المدفوعة الثمن –لصالحها، وأصبحت تستغلها للتهجم على المملكة ومحاولة الانتقاص من قدرها، وتحميلها وزر الكثير من الجرائم والتجاوزات التي ثبت فيما بعد براءتها منها.

وخلال الأيام الماضية حفلت كثير من الصحف بمقالات وأخبار تحمِّل المملكة مسؤولية ما جرى في صنعاء، وتصويرها على أنها تستهدف التجمعات المدنية، وتقصف المدنيين، وتستهين بأرواح الأطفال، وتنتهك القانون الدولي، إلى آخر تلك الاتهامات المعلومة. ورغم أن قبيلة خولان التي استهدف التفجير الإجرامي، مجلس كبير مشايخها، المرحوم علي الرويشان، رفضت الانسياق وراء دعوات التصعيد والتسرع في إطلاق الاتهامات جزافا، وتأكيد عمق العلاقة التي تجمع مشايخها بقادة المملكة، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإسكات تلك الأقلام المأجورة، التي أسهبت في توجيه الاتهامات للمملكة، ونصَّبت أنفسها خصما يطلق الاتهامات، وحكما يصدر القرارات حتى قبل إجراء تحقيق أولي.

أسئلة كثيرة تتوارد إلى الذهن عن السبب في غياب دور فعلي لملحقياتنا الإعلامية في الخارج، وما إذا كانت موجودة أصلا، أم أن مهامها تندرج تحت مسؤوليات الملحقيات الثقافية، فإن كانت موجودة وغير قادرة على تكوين لوبي إعلامي موالي للمملكة، أو نشر مقالات توضح رأينا ووجهات نظرنا، رغم ما تمتلكه سفاراتنا من إمكانيات، فتلك مشكلة، أما إذا كانت غير موجودة ولا يقوم عليها أحد، فالمشكلة أكبر، لأن الإعلام، لاسيما في الدول الكبرى، له أدوار ضخمة لا يحتاج القارئ للتذكير بها أو بقدرته –أي الإعلام -على التأثير في دوائر صناعة القرار، أو تنوير الآخرين بالحقيقة والرد على ترهات المغرضين.

في زياراتي المتكررة إلى جنيف، حيث منظمة حقوق الإنسان، لاحظت في مرات كثيرة كثافة الوجود الإيراني، وعندما سألت أحد أصدقائي من الدبلوماسيين العرب فاجأني بأن هناك لوبيا ضخما من الإعلاميين والصحفيين الموالين لطهران، وهؤلاء تجمعهم علاقات واسعة ومتشعبة بمراكز متعددة، بدءا من منظمات المجتمع المدني ووصولا إلى سياسيين بارزين ومؤثرين بينهم وزراء وسفراء. وأخبرني أن هؤلاء يقيمون أنشطة متعددة، منها حفلات استقبال ومناسبات اجتماعية، ويعقدون الندوات والمؤتمرات، ويستقطبون إعلاميين مرموقين لتسويق الأفكار والمبادرات، وعندما سألت صديقي الدبلوماسي عما إذا كانت هناك جهود عربية موازية، اكتفى بابتسامة ساخرة، شعرت بمرارتها في حلقي.

ماذا ينقصنا كي نؤثر على الآخرين؟ فنحن لدينا من الكفاءات والكوادر الإعلامية البارزة أعداد كبيرة ومهولة، ولدينا من المترجمين قدرات أكبر، ولدينا من الإمكانات ما يساعدنا في تنفيذ ما نريده، ونشر مقالات بأفكار رصينة بصورة راتبة، حتى وإن تطلب الأمر شراء مساحات إعلانية في صحف مرموقة، وبإمكان رجال أعمالنا نيل حصص مقدرة في أسهم تلك المؤسسات الصحفية. وهناك فرصة لتكثيف العمل الإعلامي وإنشاء فضائيات ناطقة بالإنجليزية والفرنسية وسائر اللغات الحية، وتوجيهها لتلك الدول، على أن تكون برامج عصرية بطريقة تناسب من نحدثه ونخاطبه، ولنا في قوله صلى الله عليه وسلم "حدثوا الناس بما يعقلون" دليلا ومرشد.

ما نحتاجه هو التنظيم، وترتيب الأوراق، واستقطاب الكوادر الإعلامية المؤثرة، فنحن أصحاب قضية عادلة، لم نكن يوما معتدين أو مغتصبين، ولم يشهد التاريخ بأنا أخذنا ما ليس لنا، أو توانينا عن دعم من وقف بأبوابنا، علينا فقط التخلي عن السلبية واستصعاب السهل، والاكتفاء بالتنديد والشجب والرد على الآخرين، وبدل أن نكون في موقع رد الفعل، علينا استلام زمام المبادرة، والمسارعة إلى التعبير عن أنفسنا، وتوضيح وجهات نظرنا، قبل أن نضطر إلى الرد على تهجمات الآخرين، فرد الفعل مهما بلغ لن يكون مؤثرا كالفعل.

لا نحتاج إلى التركيز على وسائل الإعلام التي تتحدث بلغتنا العربية، فصورتنا واضحة أمام العرب، وكلهم يعلمون حقيقتنا، وإن كان بينهم قلة ترفض الإذعان إلى منطق الحقيقة، فإنهم مكابرون لا ينبغي أن نضيع معهم مزيدا من الوقت، بل نحتاج إلى مخاطبة الآخر البعيد عنا، بلغته، وطريقته، وفي وسائل إعلامه، مقروءة ومكتوبة ومسموعة، فإن كان الآخرون نجحوا رغم سواد صورتهم وكثرة تجاوزاتهم وثبات تعديهم، في استمالة البعض وتلميع صورتهم، فسوف نكون أكثر قدرة على تحقيق نجاح أكبر منهم، لأن أدواتنا أكثر تأثيرا، وصورتنا أكثر نصاعة، فقط تحتاج إلى إزالة الغبار المصطنع الذي أثاره المغرضون.