الشغف هو ما يتعلق بمحبة الحياة ومحبة الأشياء والتوق والبحث عن كيان الشيء وعبقريته، واكتشاف أبعاد عميقة للأهداف النبيلة.
والكلمات هي دليل ما نملكه من شغف تجاه ما يعتملنا وما يشكل شخصياتنا، ويرسم تفاصيل تلك الشخصيات وتربيتها، والكلمات هي ترجمة لأفعال الذات وطريقتها في التفكير، فيكون الإقدام على رسمها هو في الحقيقة رسما دقيقا للذات وفكرها وتعليمها، ومستواها الذهني والثقافي وقطعا الفكري، وتحديد قدرتها على استيعاب ما لديها، وضبط النفس إزاء المتغير والمقابل، والحدث الذي تواجهه.
لذلك حينما تكون شغوفا بشيء، فإنك ستمنحه المساحة الأعرض في قاموسك البياني، ومساحة أعرض في طريقة تفكيرك، وبالتالي مجالا أوسع للحضور في حياتك، واستعدادك للتضحية ودفع الثمن أيا يكن.
والمعنى الفعلي للشغف عندي هو كل ماله علاقة بالألم والعناء، لأن وجوده يتطلب التضحية -في المقابل- بأشياء قد تكون مهمة لديك، ويراها الناس كذلك، وحتما ستظهر رغما عنك حتى إن كانت سلبية، لأنها تشكل أهم ما لديك، وإن لم تظهره في حياتك باستمرار، من خلال مظهرك، لكنه يحضر رغما عنك حينما تكون في مواجهة اختبار حقيقي لأصل ثقافة الذات لديك.
وهو ما يعني أن تكون مستعدا لتلقي الألم من أجل ما تحب، وإن كان على حساب مشاعر وحياة الآخرين، دون أن يعني لك ذلك أي شيء، سوى تحقيق ما أنت شغوف به في أصل ذاتك..
في تويتر يمكن قياس الشغف بالأشياء، من خلال البحث في الألفاظ والمصطلحات المستخدمة للتعبير عما تردده كثيرا، من ألفاظ تحدد بها خياراتك، سواء أكانت طيبة أو مسيئة، أو عنصرية أو إقصائية أو تلك التي تحمل في مضامينها عدوانية وتحريضية، أو محببة، وهي التي يتم تداولها على مستوى واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسأتناول هنا الشغف بالكلمات البذيئة وبعض الكلمات المقابلة لها، التي يتبناها ويطلقها عدد لا بأس به من أعضاء الموقع الناطقين بالعربية تحديدا، لنتعرف بالتقريب، على شخصيات وثقافة من يتبناها، وتوجهاتهم، وطريقة رؤيتهم للمختلف، وإستراتيجياتهم للدفاع عما يرونه ويعتقدونه، وكذلك محاولة البحث عن صورة تقريبية، قد تساعدنا في تحليل تصرفاتنا وشخصياتنا.
إذ أظهر البحث الأولي السريع في "تويتر" عبر استخدام "قوقل"، عن استخدام كلمة "منحرف" بواقع 3.916.700 مرة، وحضرت كلمة "شاذ" ومشتقاتها، 14.781.000، وجاء مصطلح "جنس" في 543.629.850، وحضرت كلمة "كافر" بواقع 1.611.158.000 مرة، وأظهر البحث في أرقام قوقل المنشور في أصل التغريدات على الموقع، مصطلح ليبرالي ولبرالي بالرقم 32.159.249 مرة، وحضرت مفردة "ملحد" بصيغها المتعددة بواقع 4.178.000 مرة، وحضرت "حب ومحبة" بالرقم 15.610.000 مرة، وهو رقم أقل بكثير من رقم مصطلح كافر، فيما حازت كلمة "سلام وسلم" ومشتقاتها بواقع 58.000.000 مرة، وحلت كلمة "كره وكراهية" 8.176.400 مرة بالإضافة لكثرة الهاشتاقات العنصرية في تويتر.
هذه قراءة أولية قمت بها شخصيا، استخدمت فيها محرك البحث "قوقل" مقرونا بموقع "تويتر"، لإظهار المصطلحات والكلمات الدلالية في التغريدات الواردة في الموقع فقط وليس خارجها، وفي الواقع هناك نتائج فظيعة جداً، لعدد من المصطلحات والكلمات المتداولة أربأ بكم عن قراءتها هنا، ولكنها بقليل من البحث في مواقع التواصل الاجتماعي، ستعرفون جيدا، حجم الكارثة التربوية التي تعيشها المجتمعات العربية، وستتعرفون عن قرب إلى النزعات التي يتبناها العرب في خطاباتهم الحوارية، وطريقتهم في وصف بعضهم، وإطلاقهم للمفردات والمصطلحات على عواهنها، دون التفكير في ما سيرسمه ذلك أمام العالم من جهة، وأمام أجياله المستقبلية من جهة أخرى، وهو الأهم.
ومن خلال الأرقام التقريبية الواردة، ونوعية المصطلحات، يمكننا أخذ فكرة ما عن مستخدميها، وهم في الغالب فئات تعيش أو تشعر بأزمات أخلاقية، وفكرية وثقافية.
سأتابع بحثي في الأيام القادمة عن الفئات التي تستخدم تلك المصطلحات بكثرة، ولن أتردد في تقديمها وربما بشيء من التفصيل، لكنني أظن أننا أمام مشكلة ثقافية كارثية، وأزمة وعي كبيرة جدا.