(الورشة) مكان معد لصناعة الأشياء أو إصلاحها يدويا، هذا معناها المتأخر والساكن في الذهنية وما تومض إليه وتعنيه مباشرة.

 (يرش) تقال للدنيء من الأمور، و(الورشة) الدابة تتفلت راغبة في الركض ويكفها صاحبها، (الورش) النشيط الخفيف من النوق، (الوارش) الرجل الطفيلي يدخل على قوم وهم يأكلون فلم يدع للأكل، هذه بعض معانيها النائمة في بطون المعاجم والميتة بفعل التقادم، فلو تتبعت كلمة (ورش أو ورشة) لما عثرت على مقولة واحدة تربط هذه الكلمة بكل ما تناثر حولها اليوم من دلالات وتشابكات معرفية معاصرة وراهنة، فهي مفردة دخيلة على اللغة العربية، ولكن الانزياح والوعي اللغوي منحها هذا التوليد لتصبح أوسع وأغنى في معانيها ودلالاتها، حين انتزعت من أوعيتها السابقة وتم سلخها من تخلقها وإيحاءاتها وسياقاتها الحسية، مما أفقدها معناها المعجمي القديم وخاصيته وامتداداته الإفصاحية، لتتحول من وظيفتها المستوطنة في المصنفات إلى طقوس تعبيرية قولية وفعلية ومشاغلات عملية ونظرية (دورات، مهارات، حلقات، قدرات، خبرات) تغني الوعي وتثري التجربة. العنوان أعلاه يطرح تساؤلا حادا حول ما تقوم به بعض المؤسسات الثقافية من دورات إبداعية للمواهب، بهدف تأهيلهم وصناعتهم وتحفيزهم على الابتكار، وتحريضهم على إخراج (طاقاتهم الإبداعية الكامنة ومحاولة تنظيمها من خلال وضعها تحت مجهر المقاربة والمعالجة والنقد).

 طرحت مجلة (الدوحة) في عدد ذي الحجة الماضي تساؤلات حول ورش الكتابة الأدبية، وكانت الآراء مختلفة بين مؤيد ومعارض، بل إن البعض نعتها بالدجل والتجارة، مستدلين بجيل المبدعين العظام الذين لم يعرفوا ما يسمى بالورش الأدبية، وإنما قادتهم مواهبهم إلى تحقيق مجدهم الأدبي.

ترى هل تستطيع هذه (الورش) صناعة إنسان موهوب لو كان يفتقر إلى الموهبة؟ هنا علينا ترسيم مسارات ومحددات ومآلات هذه (الدورات)، فقد نقبلها في محاضن معرفية من حيث فكر التدريب واكتساب المهارات وتطوير العمل وهز طرائق التفكير، ونرفضها من حيث الإبداع والمكتسب الشخصي والمخبوء الوجداني، وإنما عليها أن تسعى أي (الورشة) إلى الأخذ بيد المبدع والعمل على صقل موهبته التي يمتلكها، أي أن البناء يكون على الأساس الموجود لديه، والرغبة القوية في دخول عالم الكتابة والأدب، فالورشات لا تخلق شغفا غير موجود، كما يقول الكاتب هيثم حسين، وأخيرا يجب أن نحد من الهيمنة السحرية المتضخمة لهذه الورش المتناسخة، وربط حضورها داخل إطارها التدريبي والمهاري فقط، لكي لا نسوّق غدا ورشة بعنوان "كيف تصبح شاعرا في خمسة أيام".