الإعلام مرآة الواقع، يُحجم الإنجاز أحياناً ويضخمه أحياناً أخرى وذلك حسب الإنجاز وأهميته. وإعلامنا في المملكة العربية السعودية والإعلام المملوك لمستثمرين سعوديين بمختلف أنواعه، المقروء منها والمسموع والمرئي يعتبر إعلاماً معتدلاً حسب سياسة المملكة المعتدلة. ورغم اتهام البعض لإعلامنا بالمحاباة وتصوير الواقع بأكبر من حجمه وعلى وجه الخصوص في نشر الإنجاز الحكومي، إلا أنني أخالف وأعارض هذه التهمة أحياناَ وعلى وجه الخصوص في نقل الواقع الفعلي والتفصيلي المدعوم بالبيانات الحقيقية والأرقام الفعلية لبعض إنجازات الدولة السعودية تجاه مسؤوليتها لخدمة الإسلام والمسلمين ونشر الحقائق الموثقة للعالم الإسلامي، ليتعرف قادة العالم الإسلامي وشعوبهم على حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على قيادة المملكة العربية السعودية في رعاية وتطوير المقدسات الإسلامية، لأنه يبدو لي أن هناك قصورا إعلاميا من قبل وسائل الإعلام السعودية والمملوكة من قبل سعوديين في توضيح حجم التطور الكبير والمتعاظم في تطوير المقدسات الإسلامية وتطوير الخدمة للمسلمين حجاجا ومعتمرين. إن مقالتي اليوم لا أقصد بها تمجيد دور المملكة العربية السعودية لخدمة إسلامية، وإن فعلت فهو شرف لي أن أشيد بدورٍ مشرفٍ للمملكة، وإنما الهدف الحقيقي هو تسجيل شهادة حاج مثل بعض حجاج بيت الله الذين عاصروا الحج منذ خمسين عاماً حتى الآن وتابعوا تطور الخدمات المقدمة للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي المشاعر المقدسة . إن النقلة الحضارية لخدمات الحجاج والزوار والمعتمرين لبيت الله كانت خلال العشر السنوات الأخيرة واكتملت بعض مشاريعها العملاقة في السنتين الأخيرتين، فمشروع جسر الجمرات في منى يعتبر نموذجاً معمارياً متميزاً على المستوى العالمي في معالجة الحشود البشرية التي تقدر بالملايين والمتجهة لنقطة واحدة، وأن حجم الأنفاق لمعالجة قضية التكدس البشري في نقطة واحدة في مشعر منى كان أحد أهم القضايا في الماضي والتي ذهب ضحيتها الكثير من الحجاج نتيجة التزاحم الكثير، فهو مشروع يتطلب تسجيله في مراجع مقررات الهندسة التي تدرس في الجامعات. كما أن تطوير فكرة النقل السريع من خلال قطار المشاعر عرفات ومزدلفة ومنى يعتبر خطوة للمعالجة التامة لمشكلة النقل خلال السنوات القادمة.

إن حجم الخدمات المقدمة ابتداء من الرعاية الأمنية والمرورية والصحية والبلدية وخدمات الاتصالات والخدمات اللوجيستيكية يصعب سردها في مقالة، لكنني أسجل تقديري كحاج بعد أن منَّ الله علي بأداء فريضة الحج وبعد غياب سنوات طويلة، وتقديري هو للقيادة السعودية التي وضعت خدمة حجاج بيت الله والمعتمرين في أول قائمة اهتماماتها ومسؤولياتها وهو شرف لها، وأن التنظيم الذي تابعته شخصياً ابتداء من نقاط دخول مكة إلى دخول الحرم الشريف والطواف والسعي والذي سخرت جميع الإمكانات لتسهيل أمر الحجاج لأداء مناسكهم مروراً بالصعود إلى عرفة في زمن قياسي لا يتجاوز نصف الساعة والوصول إلى مخيم الوقوف في عرفة من خلال تنظيم متميز سهل الاتجاهات المرقمة والمعنونة. لقد تابعت شخصياً ارتفاع مستوى النظافة المستمرة على مدى الساعة وانتشار الخدمات الصحية في كل موقع في عرفة وارتفاع مستوى ثقافة رجال الأمن والمرور ذوي السلوكيات المتميزة الذين يقدمون الخدمة بروح ودية أخوية عالية، كما تابعت رجال الدفاع المدني من قرب ولمست تميز أدائهم وجاهزيتهم لأي طارئ قد يحدث وراقبت متابعتهم الجوية المستمرة طيلة فترة الوقوف بعرفة ووقفت على بعض التنظيم المتميز لمؤسسات الطوافة والتي أسجل للقائمين عليها تحية إجلال وتقدير لمساهمتهم لرفع مستوى الخدمات المقدمة للحجاج واطلعت من خلال زيارة بعض حملات الحج الداخلية على المستوى الرفيع من الخدمة المقدمة لحجاج الداخل وإن كانت بعض التكاليف مرتفعة إلا أن الخدمات المقدمة تعادل ما يقدم مقابل القيمة . إن جهود وزارة الداخلية علامة فارقة في جميع مناسك الحج وهي صمام أمان الحج والحجاج. كما أن جهود وزارة الحج تعتبر نموذجاً مشرفاً للوزارات الخدمية ويأتي دور هيئة الرقابة والتحقيق متميزاً في متابعة أداء موظفي الخدمات المساندة الحكومية وكان له دور كبير في الانضباط ورفع مستوى الأداء .

جهود جبارة بذلت وما زالت تبذل وأهم ما يميزها إشراف ومتابعة أمير الحج أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل والذي لا يحتاج إلى شهادتي وإنما هي مقولةُ حق، لقد كان وراء نجاح جميع الخطط التي وضعت لحج هذا العام المتميز بالخدمة والإنجاز. وإذا جاز لي أن أتقدم ببعض الاقتراحات بعد أن وفقني الله في حجة هذا العام وهي آمال أتمنى أن تتحقق وهي أولاً أتمنى أن يتحول الحج إلى حج مؤسساتي وليس فرديا، أي الحج الداخلي يكون من خلال مؤسسات منظمة مثل مؤسسات حجاج الداخل أو مؤسسات حجاج الخارج (مؤسسات الطوافة) والتي أثبت تنظيمها قدرة عالية على تجاوز العقبات وتسهيل الحج. فقضية الحج تبدو لي أنها في الحج الفردي أو الجماعي غير المنظم الذاهب للحج سيراً على الأقدام وهم نسبة عالية يصعب حصرهم ومعظمهم من المقيمين في مكة المكرمة وغالبيتهم من المقيمين غير النظاميين، أفارقة وآسيويين عربا وغير عرب، وهم أعداد كبيرة جداً يصعب حصرها ومراقبتها، فهم حجاج من داخل مكة المكرمة وليسوا من أهلها. وقد يكون أحد الحلول لمعالجة قضية الحجاج غير المرخص لهم بالحج هو فكرة (تسوير) مشعر عرفات على أن تمنح تصاريح دخول عرفة لمؤسسات الطوافة الداخلية والخارجية وإلزام الأفراد من الحجاج التعامل مع مؤسسات الحج الداخلي وإحكام الرقابة على أسعار مؤسسات الحج الداخلي لاستيعاب حج الأفراد والعوائل من داخل المملكة. إن وقف الحج غير المنظم أو ما يسمى (الحج الماشي) هو فكرة مطروحة رغم علمي بأن هذا الاقتراح سيواجه بالاعتراض أو الرفض من بعض الحجاج من هذه الفئة أو أصحاب المصالح فيها، إلا أن ركن الحج مرتبط بالاستطاعة والتي يدخل من ضمنها القدرة على تحمل نفقات كلفة الحج. إن نجاح إلزام حجاج الخارج بمؤسسات الطوافة قد يدفعنا لربط حجاج الداخل والحجاج الفرادى والعوائل بالحج من خلال مؤسسات منظمة. أما الاقتراح الثاني فهو تعميم فكرة الخيام الموحدة المماثلة لخيام منى أو نقل خيام منى لتكون ثابتة في مشعر عرفات شريطة أن توزع على مؤسسات الطوافة . أما اقتراحي الثالث فهو إزالة جميع الخيام من وسط منى ونقل سكن الحجاج إلى مبان بأطراف جبال منى والاستفادة من وسط منى بساحات كبيرة لتنقل الحجاج والاستفادة من الأدوار السفلى تحت الساحات لإقامة مجمعات الخدمات والأجهزة الحكومية وغيرها من الخدمات المساندة. إن نجاح السكنى في المباني التجريبية على سفوح الجبال يدفعنا بالمطالبة بتطويرها ونقل جميع سكن الحجاج إليها. وبالإمكان استخدام هذه المساكن على سفوح الجبال للمعتمرين المتوقع مضاعفة أعدادهم شريطة الاستعجال في ربط قطار المشاعر بمحطة قريبة من الحرم الشريف.

أما الاقتراح الأخير فهو الاستعجال في تكييف صحن الطواف حول الكعبة حتى يتم إيجاد حل لتغطية صحن المطاف بأية طريقة مثلى وقد يكون التكييف من خلال دفع هوائي مبرد قوي من جوانب صحن الطواف وبارتفاع مدروس يساهم في تخفيف حدة الحرارة على المصلين حول الكعبة، وعلى وجه الخصوص في أشهر الصيف وهي معظم شهور العام .