طبقا لمبدأ سيادة القانون الدولي هنالك نوعان من الحصانة: النوع الأول حصانة "مُقيدة" تسمح للمحاكم المحلية بالنظر في الدعاوي ضد الآخرين في الدولة الأجنبية، إذا كانت القضايا تختص بالأعمال التجارية فقط، وقد تحتدم هذه القضايا بين الدول لتنتقل صلاحية البت فيها إلى هيئة حسم المنازعات التجارية في منظمة التجارة العالمية، التي تأسست في 1 يناير 1995، لتصدر أحكامها طبقا للقواعد المحددة في النظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف. 

والنوع الثاني حصانة "مطلقة" تمنع خضوع الدولة الأجنبية لاختصاص المحاكم المحلية في أي دولة أخرى، مهما كانت الأفعال وبدون استثناء. وتعزيزا لسيادة المواثيق العامة، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59/38 وتاريخ 2 ديسمبر 2004 القاضي باعتماد اتفاقية الحصانة المطلقة للدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، ولا سيما في المعاملات بين الدول والأشخاص.

تتكون هذه الاتفاقية من 33 مادة و11 مرفقا، لتؤكد جميعها على أنها: "تسري على حصانة الدولة وممتلكاتها من ولاية محاكم دولة أخرى"، ولتحدد في مادتها السادسة طرق إنفاذ الحصانة المطلقة من خلال: "الامتناع عن ممارسة الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محاكمها ضد دولة أخرى". وتضمن الاتفاقية لهذه الغاية أن: "تقرر محاكمها من تلقاء نفسها احترام حصانة تلك الدولة الأخرى". كما تعتبر الدعوى المقامة أمام محكمة دولة ما ضد دولة أخرى: "إذا كانت تلك الدولة الأخرى قد تم تسميتها كطرف في تلك الدعوى أو لم يتم تسميتها كطرف في الدعوى، التي تهدف إلى التأثير في ممتلكات تلك الدولة الأخرى أو في حقوقها أو مصالحها أو أنشطتها".

إضافة لذلك فإنه بموجب المادة 38 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 والمادة 71 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، فإن: "واجب ممارسة الولاية القضائية يقع على الدولة المستقبلة بطريقة لا تخل دون مسوغ بأداء مهام البعثة أو المركز القنصلي".

لذا عندما تبنت الأغلبية الساحقة في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركيين قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا"، جاء قرارها ليشكل خطرا كبيرا، ليس على العلاقات الأميركية السعودية فحسب، بل يتعداها ليهدد المسؤولين الأميركيين حول العالم وسلامتهم وأمنهم، وذلك لأن قانون "جاستا" سيبطل الاتفاقيات الدولية للحصانة السيادية المطلقة.

ومن هذا المنطلق تقدم 9 خبراء في أميركا برئاسة وزير الدفاع الأميركي الأسبق "وليام كوين" برؤيتهم التشاؤمية تجاه قانون "جاستا"، وعواقبه الوخيمة على مصالح أميركا، حيث عبروا في خطابهم المفتوح إلى مجلس الشيوخ الأميركي بأنه: "إذا ما سمح لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، بأن يصبح قانونا رسميا، فإنه سيقوّض بشكل تام حماية الحصانة السياسية التي تعتمد عليها أميركا وجميع الدول ذات السيادة منذ قرون، كما أن قواتنا وبعثاتنا الدبلوماسية وجميع موظفي الحكومة الأميركية العاملين في الخارج، سيكونون عرضة لدعاوى قضائية في بلدان أخرى".

أما بالنسبة للمملكة فإن الحقائق، التي أوضحها سمو ولي العهد السعودي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يُمكن تغييبها أو تهميشها، لكونها تتعلق بمواقف المملكة الثابتة منذ نشأتها في مكافحة الإرهاب، وتعرضها منذ عام 1992 إلى أكثر من 100 عملية إرهابية، 18 منها تم إثبات تنفيذها على يد عناصر مرتبطة بإيران، علما بأن أجهزتنا الأمنية تمكّنت من الكشف عن 268 عملية إرهابية وإحباطها قبل وقوعها، بما في ذلك عمليات كانت موجهة ضد دول صديقة، ليسجل رجال الأمن إنجازات غير مسبوقة تمثلت في الضربات الاستباقية وإفشال 95% من العمليات الإرهابية.

وعلى الصعيد الدولي كانت المملكة سبّاقة في حث المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب وتبني خطة شاملة في إطار الشرعية الدولية تكفل القضاء على الإرهاب وتصون حياة الأبرياء وتحفظ للدول أمنها واستقرارها. وبناء عليه بادرت المملكة منذ عام 2003 بتأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، وقدمت له دعما ماديا سخيا بمبلغ 110 ملايين دولار.

واستمرارا لاجتثاث آفة الإرهاب كانت المملكة أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في شهر مايو من عام 2000، وصادقت على الاتفاقية الخاصة بمكافحة الجرائم على متن الطائرات (طوكيو 1963)، واتفاقية مكافحه الاستيلاء غير المشروع على الطائرات (لاهاي 1970)، واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (مونتريال 1971)، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها (نيويورك 1973) والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن (نيويورك 1979).

كما انضمت المملكة إلى اتفاقية الحماية المادِّية للمواد النووية (فيينا 1980)، واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحريَّة (روما 1988)، والبروتوكول المتعلّق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت الثابتة الموجودة على الجرف القاري (روما 1988)، واتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها (مونتريال 1991)، والاتفاقية الدوليَّة لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل (نيويورك 1997)، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (نيويورك 1999)، واتفاقية قمع الإرهاب النووي (نيويورك 2005).

وعلى الصعيد الإقليمي وقعت المملكة على مدوّنة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي في عام 1995، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في عام 1998، والاستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب لدول مجلس التعاون في عام 2000، واتفاقية دول المجلس لمكافحه الإرهاب لعام 2004.

أين إعلامنا من حقائقنا الغائبة عن حصانة "جاستا" الضائعة؟