قامت وزارة الإسكان في الفترة الماضية بمراسلة مستحقي الدعم السكني برسائل نصية، تتضمن فرصة حجز الوحدة السكنية في أحد المشاريع بمدينة الرياض، وذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص عن طريق البيع على الخارطة، وهذا النوع من البيع يدخل ضمن إطار برنامج الوزارة "وافي"، والذي يهدف إلى "تسويق وبيع الوحدة العقارية قبل أو أثناء مرحلة التطوير أو البناء، من خلال وضع وصف المخطط النهائي أو نموذج لشكل المبنى في صورته النهائية بعد عملية اكتمال التطوير أو البناء..".
وتهدف وزارة الإسكان من برنامج "وافي" إلى عدة أهداف رئيسية، من أبرزها: خفض تكاليف تملك الوحدات العقارية، والإسهام في زيادة المعروض من خلال تنمية المشاريع العقارية، إضافة إلى تعزيز مقدرة شركات التطوير للتحول من العمل الفردي إلى المؤسسي، وفي النهاية الحصول على وحدات عقارية تمتاز بجودة عالية.
لا شك أن نظام البيع على الخارطة يعد أحد أهم طرق التمويل الفعالة، والتي يلجأ إليها المطورون العقاريون لتمويل مشاريعهم من المشترين، وضمان تسويق الوحدات العقارية من خلال توفير دفعات مالية لمراحل المشروع قبل تنفيذه، كما تعطي مرونة للمشترين بشكل أفضل، والحصول على العقار بمواصفات ذات جودة عالية، وبأقل التكاليف.
وعلى هذا الأساس، قامت وزارة الإسكان بالاستفادة من نظام البيع على الخارطة، وتفعيل برنامج القرض المعجل كأحد الحلول التمويلية للإسكان والسكن للمواطن، لمن هو "مستعجل" ولا يريد الانتظار ضمن قوائم صندوق التنمية العقاري، وبناء على ذلك يتم توفير الأراضي السكنية باعتبارها مفتاح التنمية الإسكانية، ثم بناء المنازل وفق مواصفات معتمدة تتناسب مع متوسطي الدخل، إضافة إلى التغلب على الصعوبات المالية في عملية التمويل.
وعلى الرغم من أهمية ما تقوم به وزارة الإسكان من جهود تهدف إلى تنظيم السوق العقاري، وتخفيض أسعار العقار، وتوفير المساكن المناسبة للمواطنين، إلا أن الواقع لا يحقق متطلبات تحقيق هذه الأهداف، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الوزارة تحاول معالجة مشكلة الإسكان بشكل جزئي ومؤقت، دون الاعتماد على رؤية شاملة لمعالجة الأزمة السكنية التي تعصف بحياة الناس، الأمر الذي يكاد يكون متفقا عليه ولا يحتاج إلى إقامة الدليل على إثباته.
لنأخذ نظام البيع على الخارطة كمثال واقعي يوضح عدم إقبال الناس على هذا النوع من البيع، وهذا يؤدي إلى فشل جهود الوزارة في تحقيق أهدافها، وربما يؤدي إلى زيادة تفاقم المشكلة الإسكانية في المملكة، بسبب الاعتماد على الحلول الجزئية والمؤقتة للمشكلة، فهناك تجربة تاريخية سابقة للناس مع المشاريع المتعثرة، والتي تم بيعها بالكامل على الخريطة، وهذا الأمر أثر بالسلب على مصداقية الشركات المطورة، على الرغم من إصدار الأنظمة واللوائح والضوابط لتنظيم مثل هذه المشاريع من وزارة التجارة، وخوفها أيضا من عدم مطابقة العقار للشروط المتفق عليها، أو التأخر في تسليم المنتج النهائي في الوقت المتفق عليه، إضافة إلى بُعد مشاريع الإسكان عن المدن، فالنقل يعدّ من العناصر الأساسية لخيارات السكن لدى الناس.
أما بالنسبة لبرنامج القرض المعجل، كأحد الحلول الأولية لتمويل بناء المساكن، فكما هو معلوم فإن النسبة المئوية للفوائد أمر لا مفر منه في حالات تقديم الائتمان طويل الأجل، وهذا الأمر غير مرغوب فيه لكثير من الناس، على الرغم من تطمينات وزارة الإسكان بهذا الخصوص، ناهيك عن أن تكلفة الموارد المالية الإسكانية بالغة الصعوبة، بحيث يستحيل أن يقتني المواطن ما يرغب فيه من مساكن، وفي ظل الإيجارات المرتفعة التي يلتهم فيها بعض ملاك العقارات السكنية معظم الدخل الضروري للفئات المختلفة من المواطنين، وبالتالي فإن الشراء على الخارطة غير مجدٍ اقتصاديا بالنسبة لهم في وجود تلك العوامل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مهاوي الديون والإفلاس وعدم القدرة على السداد، خاصةً بعد القرارات الأخير المتمثلة في إلغاء بعض البدلات والعلاوات للموظفين في الجهات الحكومية.
هناك أيضا إشكالية أخرى لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة لضعف الإقبال على نظام البيع على الخارطة والقرض المعجل، تتمثل في النقص الحاد في البيانات والمعلومات الإحصائية لسوق العقار في المملكة، إذ توجد مؤشرات على انخفاض أسعار العقار بسبب ترشيد الإنفاق الحكومي ونقص السيولة، إضافة إلى وجود عوامل أخرى لم تنعكس فعليا على أسعار العقار في السوق، رغم الأحداث الاقتصادية الحالية، الأمر الذي أدى إلى اعتقاد الناس بأن الوزارة تهدف من تلك البرامج إلى حماية السوق العقاري من الانهيار، وحماية الشركات المطورة فقط!
إضافة إلى ما سبق، فقد كانت توقعات بعض المواطنين من وزارة الإسكان توزيع منتجات سكنية جاهزة عليهم مع دفع أقساط معينة، أو منحهم أراضي سكنية والحصول على قرض لبنائها، وما إلى ذلك، لذا كانت برامج وزارة الإسكان الأخيرة أقل من الطموحات والتوقعات، خاصة أن الوزارة كانت توحي للناس من خلال رسائلها ومعاييرها على موقعها الإلكتروني بتلك الأحلام الوردية للناس، ولهذا كانت ردة الفعل محبطة للبعض تجاه البرامج الجديدة.
لقد اعتمدت وزارة الإسكان خطتها الإستراتيجية أخيرا، والمتضمنة عدة أهداف رئيسية من أبرزها: تحفيز المعروض العقاري ورفع الإنتاجية، لتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة المناسبين، وتمكين المواطنين من الحصول على تمويل سكني مناسب، إضافة إلى تحسين أداء القطاع العقاري ورفع إسهامه في الناتج المحلي، ولكن جاءت هذه الخطة من دون مؤشرات أداء إحصائية، وغير واضحة للمواطنين.
والأسئلة المطروحة في النهاية: ما إنجازات الوزارة في مجال الإسكان حتى كتابة هذه السطور؟ هل تمت زيادة نسبة التملك للسكن من المواطنين؟ وهل انخفضت أسعار العقار عموما؟ وهل تم رفع مستوى كفاءات الشركات العقارية؟